وسطًا؛ فلا يُسرِعُ في مَشْيِه، ولا يكونُ بطيئًا كسَيْرِ المتكبِّرِ، وقد فسَّر مجاهِدٌ قوله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} بالتواضُعِ (١)، وقال قتادةُ: "نَهَاهُ عن الخُيلاءِ" (٢).
وفسَّر يزيدُ بن أبي حبيب القصدَ في المشيِ بالسُّرْعةِ (٣)، ولعلَّه حمَلَ ذلك على أنَّ السُّرْعةَ في المشي تُنافِي الخُيَلاءَ؛ فعادةُ أهلِ الكِبْرِ السَّيْرُ البطيءُ المتكلَّفُ.
وقد كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَحُث على السَّكِينةِ، ويأمُرُ بالتوسُّطِ، ويَنهى عن الإسراعِ المتعجِّلِ؛ ومِن ذلك قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ) (٤)، والإِيضاعُ الإسراعُ، وأمَّا ما يُروى من حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال: (سُرْعَةُ المَشْي تُذْهِبُ بَهَاءَ المُؤْمِنِينَ)؛ فقد رواهُ أبو نُعَيْمٍ في "الحِليةِ" (٥)؛ ولا يصحُّ.
وغَضُّ الصوتِ خَفْضُه؛ فليس بالمرتفع الصارخ كصوتِ الحمارِ، ولا بالخافضِ الذي لا يُسمَعُ، وقولُه: {أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ}؛ يعني: شَرَّها.
وكان عمرُ لا يَرَى التكلُّفَ برفعِ الصوتِ حتى في الأذانِ؛ كما روى البيهقيُّ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عن أبي مَحْذُورَةَ؛ قال: لمَّا قَدِمَ عُمَرُ مَكَّةَ، أَذَّنْتُ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: بَا أَبَا مَحْذُورَةَ، أَمَا خِفْتَ أَنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ؟ ! (٦).
وهذه الآياتُ مكيَّةٌ كما هو أصلُ السورةِ، وعادةُ السُّوَرِ المكيَّةِ لا تأمُرُ بمِثْلِ هذه الآدابِ والسلوكِ؛ وإنَّما تأمُرُ بما تدُلُّ عليه الفِطْرةُ
(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٦٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣٠٩٩).
(٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٦٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣١٠٠).
(٣) "تفسير الطبري" (١٨/ ٥٦٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣١٠٠).
(٤) أخرجه البخاري (١٦٧١).
(٥) "حلية الأولياء" (١٠/ ٢٩٠).
(٦) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٣٩٧).