صاحِبُها إليها محرَّمٌ لو كان حيًّا، والأمرُ بعدَ وفاتِهِ أعظَمُ؛ لانعدامِ عِلْمِه، فضلًا عَن قُدرتِه، وأنَّ أجرَ المُوصِي يقَعُ؛ لأنَّ المتصدِّقَ والمُنفِقَ بالحقِّ يُكتَبُ له الأجرُ بحسَبِ نيَّتِه وتحرِّيهِ ولو لم تَصِلْ لمرادِه، ولكنَّ الضَّرَرَ الذي يَلحَقُ مَن أوْصَى له باقٍ؛ لتبديلِ الوصيَّةِ عن وجهِها الذي جعَلَها صاحبُها له.
والوصيَّةُ نافذةٌ، ويجبُ العملُ بها، ولفظُ الوصيَّةِ مِن ألفاظِ الوجوبِ؛ لقولِهِ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} النساء: ١١ , وهذا حُكْمٌ وحَدٌّ مِن حدودِ اللهِ تعالى يجبُ التِزامُه.
روى ابنُ جريرٍ في "تفسيرِهِ"، عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} قال: "الوصيَّةُ" (١).
وروى عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِه: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}: "وقَدْ وقَعَ أجرُ المُوصِي على اللهِ، وبَرِئَ مِن إثمِه" (٢).
وختَمَ اللهُ الآيةَ بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}؛ أي: يَسمَعُ ويَعلَمُ ما كانت عليه الوصيَّةُ، ويعلَمُ تبديلَ المبدِّلِ ومِقْدارَهُ، وأثَرَهُ على المُوصِي والمُوصَى له، وفي هذا تذكيرٌ وترهيبٌ لِمَنْ عزَمَ على التبديلِ ولمَنْ بَدَّلَ أنْ يُقلِعَ وأنْ يُعِيدَ الحقَّ إلى أهلِه، والوصيَّةَ إلى ما كانت عليه.
بطلانُ الوصيَّةِ بالحرامِ:
ومَن أوْصَى في ضِرَارٍ، أو قطيعةِ رَحِمٍ، أو شيءٍ محرَّمٍ: لا يجوزُ إنفاذُ وصيَّتِه، ويجبُ تبديلُها إلى أفضلِ الحقِّ وأَنْفَعِه، ومَن لم يبدِّلْها - والحالةُ هذه - وهو قادرٌ على ذلك، فهو آثِمٌ، وقد روى ابنُ جريرٍ عن عليٍّ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "إنْ كان أوْصَى في ضِرَارٍ، لم تَجُزْ وصيَّتُهُ؛
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ١٣٩ - ١٤٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ١٤٠).