الأنبياءِ الكفرَ كنُوحٍ ولُوطٍ، ولكنَّه سبحانَهُ لم يقدِّرِ العَهْرَ على امرأةِ نبيٍّ؛ لأنَّ الشرفَ والعَهْرَ يتعدَّى إلى النَّسَبِ.
وفي هذا: عِظَمُ منزلةِ القدوةِ على غيرِهِ في وجوبِ احتياطِهِ واحتياطِ أهلِ بيتِه؛ وذلك كلَّما كان قدوةً في قومِهِ وبلدِه، كان أَولى بالاحتياطِ مِن غيرِه.
وقولُه تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}؛ يعني: لا تُرَفِّقْنَهُ ولو كان ذلك عن حُسْنِ قصدٍ؛ فإنَّ النهيَ ليس لأَجْلِهِنَّ فقطْ، بل لأجلِ السامعينَ، فيَمِيلُ مَن في قلبِهِ طمعٌ ومرضٌ إِليْهِنَّ؛ فيَتَسَبَّبْنَ في إهلاكِه.
وقولُه: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}؛ يعني: مِن الخيرِ الذي لو سَمِعَهُ الناسُ، ما استنكَرُوهُ، فيكونُ كلامُهُنَّ مع الواحدِ ككلامِهِنَّ مع الجماعةِ في خيرِهِ وعفافِه.
ومِن علامةِ الكلامِ المباحِ الذي يجوزُ للمرأةِ أنَّ تتكلَّمَهُ مع الرجلِ الأجنبيِّ: أن تتكلَّمَ بكلامٍ لو سَمِعَهُ الناسُ منها معه، ما استنكَرُوهُ وهُ ولم تَسْتَحْي هي منه، فيَعرِفُهُ الناسُ ولا يستنكرونَه، وهكذا ينبغي أنَّ تكونَ العفيَفةُ في خِطَابِها إنِ احتاجتْ إلى رجلٍ لا يسمعُها أحدٌ: أن تُخاطِبَة بحديثٍ لو سَمِعَهُ زوجها وولدُها والناسُ، لم يستنكِروه، ولَعَدُّوهُ معروفًا.
وفي قولِ اللَّهِ: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} جعَلَ الطمعَ في الرجلِ، مع احتمالِ ورودهٍ مِن جنسِ المرأةِ عامَّةً؛ وذلك تعظيمًا للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وتطهيرًا لنسائِه مِن أنْ يُظَنَّ بهنَّ ظَنُّ السَّوْءِ، ولبيانِ خَصوصيَّةِ الرجالِ بالجَسَارةِ والميلِ أكثَرَ مِن النساءِ.
وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، أمَرَهنَّ بالقَرَارِ في البيوتِ وعدمِ الخروجِ إلَّا لحاجةٍ، ونَهاهُنَّ عن تبرُّجِ