وتَقْبَلُها؛ لهذا كلَّما كان الأمرُ أظهَرَ إحكامًا وأصرَحَ بيانًا، كانتِ المخالفةُ له أعظَمَ.
وقد اختُلِفَ في الصيامِ المفروضِ على الأممِ السابقةِ عدَدًا وزمنًا، والمقطوعُ به: أنَّه إمساكٌ عن الطعامِ والشرابِ؛ لأنَّ الأكلَ والشربَ أصلٌ في تحقُّقِ اسمِ الصيامِ، وأمَّا ما عدَاهُ - كالجِمَاعِ وغيرِه - فيحتاجُ ذلك إلى دليلٍ يبيِّنُ؛ وقد روى أَسْبَاطٌ، عن السُّدِّيِّ: "أَنَّ الجِماعَ محرَّمٌ عليهم، وهكذا كان النَّصارى يصُومُونَ في المدينةِ؛ يدَعُونَ الطعامَ والشرابَ والجِمَاعَ" (١).
وحمَلَ بعضُهمُ التشبيهَ في قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} على التشبيهِ بالوقتِ؛ فوقتُهم كوقتِنا، ومنهم مَن حمَلَ التشبيهَ على جميعِ الوجوهِ.
ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ، وعطاءٍ وقتادةَ: أنَّ اللهَ فرَضَ على الأممِ السابقةِ صيامَ ثلاثةِ أيامٍ (٢).
والأممُ السابقةُ التي فرَضَ اللهُ عليها الصيامَ لم يبيَّنْ أوَّلُها، ولعلَّ الصيامَ كان في كلِّ شريعةٍ؛ لظاهرِ إطلاقِ الآيةِ، وقد دلَّ الدليلُ مِن القرآنِ: أنَّه في شريعةِ بني إسرائيلَ، وقد روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن عبَّادِ بنِ منصورٍ، عن الحسَنِ: "كتَبَهُ اللهُ على كلِّ أُمَّةٍ قبلَنا كما كتَبَهُ علينا" (٣).
وروى ابنُ أبي حاتمٍ، عن نَصْرِ بنِ مُشَارِسٍ، عن الضحَّاكِ: "أنَّ أوَّلَ مَن صامَ نوحٌ" (٤).
وروى ابنُ أبي حاتمٍ، عن أبي الربيعِ، عن رجلٍ مِن المدينةِ، عن
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ١٥٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ١٥٧ - ١٥٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٠٤).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٠٥).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٠٤).