في الحربِ يُضرَبُ بما يُفنِيهِ، ويُقدَّمُ القتلُ على الأَسْرِ؛ حتى يتحقَّقَ الإثخانُ فيهم، فإذا تمَّ الإثخانُ فيهم وتحقَّقَ تنكيلُهم، يُقدَّمُ الأَسْرُ، وهذه الآيةُ نظيرُ قولِهِ تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} الأنفال: ٦٧، وقد تقدَّم فيها الكلامُ على تقديمِ القتلِ على الأَسْرِ في بدايةِ القتالِ والحِكْمةِ مِن ذلك، وكذلك تقدَّم حُكْمُ ضربِ العدوِّ كيفما اتَّفَقَ وإصابتِهِ في أيِّ موضعٍ، عندَ قولِهِ تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال: ١٢.
حُكْمُ أَسْرَى المشرِكِينَ:
في قولِه تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} التخييرُ في التعامُلِ مع الأَسْرَى: إمَّا بالمَنِّ عليهم وإطلاقِهِمْ تأليفًا لهم ولقومِهم، وإمَّا بمُفاداتِهم بأَسْرَى المُسلِمِينَ أو بالمالِ.
وقد اختُلِفَ في نَسْخِ هذه الآيةِ:
فمنهم: مَن قال: بأنَّها منسوخةٌ بقولِه تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التوبة: ٥؛ وبه قال قتادةُ (١)، والحَكَمُ (٢)، ويُروى النسخ عن أبي عبَّاسٍ؛ رواهُ عنه العَوْفِيُّ (٣)، وقد خالَفَه عليُّ بنْ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ بعدمِ النَّسْخِ، وأنَّ الإمامَ مخيَّرٌ (٤)؛ وهو أصحُّ.
وأكثرُ العلماءِ على عدم النَّسْخِ، وبه قال مِن السلفِ عطاءٌ والحسنُ وعمرُ بن عبدِ العزيزِ وغيرُهم (٥).
وقد اختلَفَ العلماء في أَسْرَى المشركينَ بينَ التخييرِ بينَ القتلِ والمَنِّ والفِداءِ، وبينَ تقديم واحدٍ منها على الآخَرِ، على أقوالٍ:
(١) "تفسير الطبري" (٢١/ ١٨٤).
(٢) "تفسير القرطبي" (١٩/ ٢٤٥).
(٣) "تفسير الطبري" (٢١/ ١٨٥).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٢).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" (٢١/ ١٨٥ - ١٨٦)، و"تفسير القرطبي" (١٩/ ٢٤٦).