ابنُ جريرٍ الطَّبريُّ، وهذا محلُّ اتِّفاقٍ عندَ العلماءِ، لكنَّ منهم مَن قال: إنَّه فُرِضَ في شعبانَ، ومنهم مَن قال: إنَّه فُرِضَ قبلَ ذلك.
وقولُه تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ أي: تَتَّقُونَ ما أمَرَكُمُ اللهُ بتَرْكِهِ مِن الطعامِ والشرابِ والجِمَاعِ وغيرِه.
قولُه تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}:
المرادُ بالمعدوداتِ: المَحْدوداتُ المُحْصَيَاتُ بعددٍ معيَّنٍ معروفٍ، وهو شهرُ رَمَضانَ، وشهرُ رمضانَ محدودٌ: بطلوعِ الهلالِ مِن رمضانَ، وطلوعِهِ مِن شوَّالٍ، والصَّوْمُ في النهارِ بينَ الهِلَالَيْنِ؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ) (١).
وذِكْرُ العددِ إشارةٌ إلى التيسيرِ؛ فاللهُ تعالى لم يَفرضْ صيامَ الدَّهْرِ، بل نَهَى عنه، ولم يَأْذَنْ للأمَّةِ بتركِ الصيامِ، بل جعَلَهُ مفروضًا عليها بأيَّامٍ معدودةٍ، يَعرِفُهُ أدنى المكلَّفِينَ بالتشريعِ.
ضبطُ الشهر برؤية الهلال، لا بالحساب، والحكمةُ من ذلك:
وفيه تنبيهٌ على أنَّ التيسيرَ في ضبطِ عددِ الأيَّامِ مقصودٌ؛ لذا علَّقَ معرفةَ الأيَّامِ بدايةً ونهايةً برؤيةِ الهلالِ، وتعليقُ ذلك بالحسابِ تكلُّفٌ وتشديدٌ يُنافي المقصودَ مِن التيسيرِ، فالرُّؤْيةُ تكليفٌ يستطيعُهُ البادي والحاضرُ، راكبُ البَرِّ وراكبُ البحرِ، الفردُ والجماعةُ.
والتيسيرُ في ضبطِ دخولِ الشهرِ وخروجِهِ شبيهٌ بضبطِ القِبْلةِ؛ ولذا جاء في الحديثِ مرفوعًا وموقوفًا: (مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ) (٢)، وقد كان أحمدُ يَنْهَى عن التكلُّفِ في تحديدِ القِبْلةِ بالجَدْيِ ونحوِه مِن النجومِ (٣).
(١) أخرجه البخاري (١٩٠٩) (٣/ ٢٧)، ومسلم (١٠٨١) (٢/ ٧٦٢).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٤٢) (٢/ ١٧١)، والنسائي (٢٢٤٣) (٤/ ١٧١)، وابن ماجه (١٠١١) (١/ ٣).
(٣) ينظر: "فتح الباري" لابن رجب (٣/ ٦٥).