* قال اللَّهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} الحجرات: ١٢.
نَهى اللَّهُ عن كثيرٍ مِن الظنِّ؛ لأجلِ السُّوءِ في بعضِه، وهذا لا يكونُ إلَّا في أهلِ الدِّيالةِ والصِّدْقِ؛ وهذه الآيةُ أصلٌ في الورَعِ.
وإنَّما لم يَنْهَ اللَّهُ عن حميعِ الظَّنِّ؛ حتى لا يشملَ الظَّنَّ الحسَنَ؛ فاللَّهُ يأمُرُ بإحسانِ الظنِّ بالناسِ، وحَمْلِ أقوالِهم وأفعالِهم على محاملَ حسنةٍ، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ) (١).
وإنَّما نَهَى اللَّهُ عن الظنِّ قبلَ نهيِهِ عن التجسُّسِ في قولِه: {وَلَا تَجَسَّسُوا}؛ لأنَّ التجسُّسَ يَبدأُ بظنِّ السُّوءِ، ثمَّ يُريدُ الظانُّ أنْ يُؤكِّدَ ظنَّه، فيتجسَّسُ على غيرِه، وبمِثلِ الآيةِ رتَّب النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- النهيَ، فنَهى عن الظنِّ قبلَ نهيِه عن التجسُّسِ؛ لأنَّ الظنَّ يَدفَعُ إليه؛ قال: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنَافَسُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَبَاغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)؛ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ، عن أبي هريرةَ (٢).
والتجسُّسُ كبيرةٌ مِن كبائرِ الذنوبِ، ويكونُ التجسُّسُ بالسماعِ لمَن يَكرَهُ سماعَهُ وهو مستتِرٌ بقولِهِ عن الناسِ، أو بالبصرِ كمَن يُطلِقُ بصرَهُ عمَّن يستتِرُ بعَوْرتِهِ عن الناسِ، ويكونُ بتحسُّسِ البدَنِ وهو بلَمْسِ ما يُخفِيهِ الناسُ ويستُرُونَهُ عن الناسِ؛ وكلُّ ذلك داخلٌ في التجسُّسِ المنهيِّ عنه.
ويدُلُّ على كونِ التجسُّسِ كبيرةً: أنَّ اللَّهَ جعَلَ جزاءَ مَن يطَّلِعُ بعينِهِ
(١) أخرجه البخاري (٥١٤٣)، ومسلم (٢٥٦٣)؛ من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري (٥١٤٣)، ومسلم (٢٥٦٣).