رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا؟ فَافْعَلُوا)، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (١).
وقد تقدَّمَ الكلامُ على مواقيتِ الصلاةِ في القرآنِ عندَ قولِه تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} هود: ١١٤.
* * *
* قال اللَّهُ تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} ق: ٤٠.
أمَرَ اللَّهُ بالتسبيحِ في الليلِ، والمرادُ بالتسبيحِ هنا: الصلاةُ على الأظهَرِ مع احتمالِ المعنيَيْنِ؛ لأنَّ اللَّهَ ذكَرَ التسبيحَ في الليلِ وأدبارَ السجودِ؛ ولكنَّ حَمْلَهُ على ذِكرِ التسبيحِ لا يأتي على قولِ بعضِ السلفِ: إنَّ المرادَ بقوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} أنَّه صلاةُ السُّنَّةِ البَعْدِيَّةِ بعدَ المكتوبةِ؛ كما يأتي.
وهذه الآية هي نظيرُ قولِهِ تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} الإسراء: ٧٩، وقولِهِ تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} طه: ١٣٠.
وأمَّا تفاضُلُ الذِّكْرِ في السَّحَرِ، فإنَّ الاستغفارَ أفضلُ مِن التسبيحِ، وقد خَصَّهُ اللَّهُ مِن بينِ الذِّكرِ في قولِهِ تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الذاريات: ١٨، وقولِهِ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} آل عمران: ١٧.
وقولُه تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: حُمِلَتْ هذه الآيةُ على مَعانٍ ثلاثةٍ:
المعنى الأول: أنَّ المرادَ بالتسبيحِ أدبارَ السجودِ: هو سُنِّيَّةُ الأذكارِ
(١) أخرجه البخاري (٥٥٤)، ومسلم (٦٣٣).