وذلك أنَّ اللهَ أمَرَ بالعَدَدِ، ولم يأمُرْ بصفةٍ يكونُ عليها العددُ.
وهذا قول أكثرِ العلماءِ؛ فقد رُوِيَ عن أبي عُبَيْدةَ عامرِ بنِ الجَرَّاحِ، ومعاذٍ، وعمرِو بنِ العاصِ، وأَنَسٍ، وأبي هريرةَ.
ورُوِيَ أيضًا عن عَبِيدةَ السَّلْمانيِّ وعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ وابنِ المسيَّبِ وسالمٍ وعطاءٍ وعِكْرِمةَ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ والنَّخَعيِّ وقتادةَ وطاوسٍ.
وقال به مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وجماعةٌ من فقهاءِ الكوفةِ؛ كأبي حنيفةَ والثَّوْريِّ، ومِن أهلِ الشامِ؛ كالأوزاعيِّ (١).
ورُوِيَ عن بعضِ السَّلَفِ القولُ بالقضاءِ متتابعًا؛ كعليِّ، وابنِ عُمَرَ، وعُرْوةَ، والشَّعْبيِّ، وابنِ سِيرِينَ (٢).
ولكنَّ القولَ المرويَّ عنهم ليس صريحًا في الوجوبِ، كالمرويِّ عنِ ابنِ عمرَ فيما رواهُ نافعٌ؛ أنَّه كان يُتابعُ في قضاءِ رمضانَ (٣).
وهذا إنَّما هو فعلٌ مجرَّدٌ يقولُ باستحبابِهِ غيرُهُ من الصحابِة، والمرويُّ عن عليِّ يَرْوِيهِ عنه الحارثُ الأعورُ (٤).
واستحبابُ التتابُعِ هو فرعٌ عن استحبابِ التعجيلِ , والسَّلَفُ لا يختلِفونَ في فضلِ التعجيلِ.
وتعجيلُ القضاءِ ولو متفرِّقًا أفضلُ من تأخيرِهِ متتابِعًا؛ لأنَّ المقصودَ إبراءُ الذِّمَّةِ، وإبراءُ الذِّمَّةِ أَولى مِن تحقُّقِ التتابعِ المتأخِّرِ.
والأمرُ بالتتابُع كان ثمَّ نُسِخَ؛ فقد روى عروةُ، عن عائشةَ؛ قالتْ: نزلَتْ: "مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعاتٍ"، ثم سقَطَتْ "مُتَتَابعاتٍ" (٥).
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٠٦).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٠٧).
(٣) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٤/ ٢٦٠).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٧٦٦٠) (٤/ ٢٤٢).
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٧٦٥٧) (٤/ ٢٤١).