وحُمِلَتِ اللامُ في قولِه: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} على معنى (في)؛ وذلك نحوُ قولهِ تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الأنبياء: ٤٧؛ يعني: "فيه"، وقوله: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} الأعراف: ١٨٧؛ يعني: في وقتها.
وكفارةُ الظِّهارِ كما في الآيةِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}، والكفارةُ على الترتيبِ المذكورِ بلا خلافٍ.
ولا يجوزُ له قُرْبُ زوجتِهِ بجِمَاعٍ قبلَ تكفيرِه؛ وذلك لقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، وصحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّ المَسَّ الجِمَاعُ (١)، وبه قال عطاءٌ والزُّهريُّ وقتادةُ ومُقاتِلُ بن حَيَّانَ (٢)، وهو قولُ أحمدَ والشافعيِّ.
وذهبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنَّ المسَّ هو المباشَرةُ ولو دُونَ الفَرْجِ، وهو قولُ مالكٍ وأبي حنيفةَ والشافعيِّ في قولٍ له، وقد قال الزُّهْريُّ: "ليس له أنْ يُقبِّلَها ولا يَمَسَّها حتى يُكفِّرَ" (٣).
وقد جعَلَ مالكٌ النظرَ إلها بتلذُّذٍ في حُكْمِ المسِّ.
ومَن مَسَّ امرأتَهُ بعدَ ظِهارهِ منها وقَبلَ كفَّارته، فلا يُسقِطُ مسُّهُ وجوبَ الكفارةِ عليه، وهو بفعلِهِ ذلك آثِمٌ يجب عليه التوبةُ، وقد رَوَى أهلُ السُّننِ؛ مِن حديثِ عِكْرِمةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ رجلًا قال: يا رَسولَ اللَّهِ، إِنِّي ظَاهَرتُ مِنِ امْرَأَتِي، فَوَقَعْتُ قَبلَ أَنْ أَكَفِّرَ؟ قَالَ: (وَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ )، قَالَ: رَأَيْتُ خَلخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ,
(١) "تفسير الطبري" (٢٢/ ٤٦١).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٨/ ٤٠).
(٣) "تفسير ابن كثير" (٨/ ٤٠).