تُسْرِعوا بخَيْلِكم وإِبِلِكم في غزوٍ ولا كَرٍّ ولا فَرٍّ في قتالِ العدوِّ؛ وإنَّما هو نعمة مِن اللَّهِ أنْ مَكَّنَكم منهم بلا قتالٍ.
والفَيْءُ الذي يُغنَمُ بغيرِ قتالٍ قد اختُلِفَ في تقسيمِه:
فمِن العلماءِ: مَن جعلَهُ خالصًا لرسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقسِّمُهُ كما يشاءُ؛ لأنَّ اللَّهَ ذكَرَ ذلك ولم يُخَمِّسْهُ؛ كما في قولِه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}.
ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ الفَيْءَ يُقسَّمُ كالغنيمةِ، وأنَّ الآيةَ ذكَرَتِ الخُمُسَ الخاصَّ برسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمَّا الأخماسُ الأربعةُ الباقيةُ، فمسكوتٌ عنها، وتَلحَقُ في حُكْمِها حُكْمَ الغنيمةِ؛ لأنَّ اللَّهَ ذكَرَ ذلك في الغنيمةِ؛ ذكَر خُمُسَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسكَتَ عن الباقي للعِلْمِ به؛ كما قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} الأنفال: ٤١؛ ولهذا قال الشافعيُّ؛ فجعَل معنى آيةِ الحَشْرِ كمعنى آيةِ الأنفالِ، وذلك أنَّ الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ، وأربعةُ أخماسِها للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتصرَّفُ بها، وبعدَهُ تكونُ للمُقاتِلِين، والخُمُسُ الباقي فيمَن سمَّى اللَّهُ.
وله قولٌ آخَرُ: أنَّ ما كان لرسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يكونُ بعدَ وفاتِهِ في بيتِ مالِ المُسلِمِينَ ومَصَالحِهم.
وقد عَدَّ بعضُ السلفِ آيةَ الفيءِ هنا منسوخةً بما في سورةِ الأنفالِ؛ وذلك أن الفيءَ يُخمَّسُ كالغنيمةِ؛ وبهذا قال قتادةُ وغيرُه (١).
والأرجحُ: أنَّ كِلتا الآيتَيْنِ مُحْكَمةٌ، وأنَّ المالَ الذي يُكسَبُ بلا قتالٍ يَختلِفُ عن المالِ الذي يُغنَمُ بقتالٍ، وفرقٌ بين آيةِ الغنيمةِ وآيةِ الفَيْءِ؛ فآيةُ الغنيمةِ بَيَّنَتْ أنَّ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الخُمُسَ بقولِهِ تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ
(١) "تفسير الطبري" (٢٢/ ٥١٨).