ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ عمرَ بسنَدٍ ليِّنٍ.
وقد نسَخَ اللهُ التخييرَ وأَبْقَى أهلَ الأعذارِ؛ كالمريضِ والمسافِرِ.
المعذورون بِتَرْكِ الصومِ مع الطاقة:
وحمَلَ بعضُهُمْ قولَهُ تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} على الشيخِ الكبيرِ والمرأةِ العجوزِ، وهم مَن يُطِيقُ الصومَ، فرخَّص اللهُ لهما بالفِطْرِ، ولِمَنْ في حُكْمِهما؛ كالحامِلِ والمرضِعِ وشبْهِهما، ثمَّ نسَخَ اللهُ - عز وجل - التَّخييرَ لهما، ورخَّصَ لهما عندَ المشقَّةِ والخوفِ على الصِّحَّةِ والنَّفْسِ أو الخوفِ على الوَلَدِ.
فقد روى ابنُ جريرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ قال: "كان الشَّيْخُ الكبيرُ والعَجُوزُ الكَبِيرةُ وهما يُطِيقَانِ الصَّوْمَ، رُخِّصَ لهما أنْ يُفطِرَا إنْ شاءَا ويُطْعِمَا لكلِّ يومٍ مِسْكِينًا، ثمَّ نُسِخَ ذلك بعد ذلك: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} البقرة: ١٨٥، وثبَتَ للشيخِ الكبيرِ والعجوزِ الكبيرةِ، إذا كانا لا يُطيقانِ الصَّوْمَ، وللحُبْلَى والمُرْضِعِ إذا خَافَتا" (١).
ومِن السَّلَفِ مَنْ يرى التخييرَ للحامِلِ والمرضِعِ باقيًا ولو بلا مشقَّةٍ؛ رُوِيَ هذا عن قَتَادةَ، عن عِكْرِمةَ؛ قال: "نُسِخَتِ الرُّخْصةُ عن الشَّيْخِ والعجوزِ إذا كانا يُطِيقانِ الصَّوْمَ، وبَقِيَتِ الحامِلُ والمرضِعُ أن يُفطِرَا ويُطعِما" (٢).
والأظهَرُ: اشتراكُ الشيخِ والعجوزِ في حكمِ الحاملِ والمرضِعِ، وأمَّا التفريقُ بينَهم مع اشتراكِهم في التخييرِ وهم ممَّن يُطِيقُ، والتفريقُ بينَهم بعدَ النسخِ بعيدٌ؛ فيكونُ حكمُهم جميعًا قبل النسخِ التخييرَ، وبعدَ النسخ عند المشقَّةِ والخوفِ على النَّفْسِ أو على الولدِ، فمتى وُجدَتْ، جازَ الفِطرُ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ١٦٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ١٦٨).