عِدَّةُ الحاملِ مِن الطلاقِ والوفاةِ:
وأمَّا عِدَّةُ الحاملِ، فلا تخلو: إمَّا أن تكونَ عِدَّةَ وفاةٍ، أو عِدَّةَ طلاقٍ:
أمَّا عِدَّةُ الحاملِ التي طُلِّقتْ عندَ استبانةِ حَمْلِها، فعِدَّتُها أنْ تَضَعَ ولدَها؛ وهذا في قولِ عامَّةِ السلفِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك؛ حكاهُ ابنُ جريرٍ (١).
وأمَّا عِدَّةُ الحاملِ مِن وفاةِ زوجِها، فعلى حالَيْنِ:
الأُولى: حاملٌ بَقِيَ مِن وَضْعِها فوقَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ؛ تخرُجُ مِن عِدَّتِها بوَضْعِ حَملِها بلا خلافٍ.
الثانيةُ: حاملٌ وأجَلُ وَضعِ حَمْلِها دونَ أربعةِ أشهُرٍ وعشرٍ؛ فعامَّةُ الفقهاءِ مِن السلفِ والخلفِ: على أنَّها تخرُجُ مِن عِدَّةِ وفاتِها بوَضْعِ حَمْلِها ولو وضَعَتِ الحَمْلَ بعدَ الوفاةِ بساعةٍ؛ لقولِه تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
وبهذا قَضى عمرُ وعثمانُ وزيدٌ وابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ وأبو هريرةَ، وقد رَوَى البخاريُّ، عن أبي سَلَمةَ؛ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابنِ عَبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ، قُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: أنَا مَعَ ابنِ أَخِي -يَعْنِي: أَبَا سَلَمَةَ- فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا (٢).
(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٠٩).