فتكونوا أخرَجتُمُوهُنَّ ولو لم تَنطِقوا بذلك، بل هو أشَدُّ؛ فقد جمعتُم سَيِّئَتَيْنِ، وهما: سيئةُ الأذى، وسيئةُ الإخراجِ.
وقولُه تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}: ذكَر اللَّهُ الحاملَ وخَصَّها بالذِّكْرِ هنا؛ لأنَّ أجَلَها قد يطولُ، فرُبَّما يَستثقِلُ بعضُ الأزواجِ سُكْناها ونفقتَها تسعةَ أو ثمانيةَ أشهُرٍ إنْ كان طلاقُها بدايةَ حَمْلِها، فأمَرَ اللَّهُ بالإنفاقِ عليها وإسكانِها حتى تَضَعَ حَمْلَها.
وقولُه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يدُلُّ هذا على أنَّ المرأةَ إنْ كانتْ في عِصْمةِ زوجِها لا تَستحِقُّ أُجْرةَ الرَّضَاعِ؛ وإنَّما لها النفقةُ الكافيةُ، ولكنْ إنْ كانتْ مطلَّقةً، فيجبُ على الزوجِ إعطاؤُها نفقةَ الرَّضَاعِ؛ لانقطاعِ نففتِها الخاصَّةِ بها، والولدُ شِرْكٌ بينَ أَبَوَيْهِ؛ فكما تستحقُّ زيادةَ النفقةِ لأجلِهِ وهي في عِصْمَتِه، فإنَّها تستحقُّ ذلك القَدْرَ بعدَ طلاقِها منه وخروجِها مِن العِدَّةِ.
وقد حمَلَ بعضُ السلفِ وجماعةٌ مِن العلماءِ هذه الآيةَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} على الحاملِ المطلَّقةِ البائنِ؛ وذلك لأنَّ الرَّجْعيَّةَ زوجةٌ، فالنفقةُ عليها كسائرِ النفقةِ على الرَّجْعيَّاتِ سواءٌ كانتْ حاملًا أو غيرَ حاملٍ؛ وبهذا قال ابنُ عبَّاسٍ (١).
وقولُه تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}، فيه: وجوبُ التناصُحِ بينَ الزوجَيْنِ حتى بعدَ الطلاقِ، وأن يكونَ بينَهما العدلُ لا الشُّحُّ والأَثَرَةُ والطمعُ، وفي هذا تطهيرٌ لقلوبِ الزوجَيْنِ مِن الانتصارِ للنَّفْسِ والانتقامِ مِن الآخَرِ لِما سلَفَ مِن سُوءِ عِشْرَةٍ.
وقولُه تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}؛ يعني: لم تَتوافَقُوا على أمرِ الرَّضَاعِ أو أُجْرَتِه، فيجبُ كِفايتُه بمُرضِعةٍ أُخرى، وهذه الآيةُ في
(١) "تفسير الطبري" (٢٣/ ٦٢).