يقُلْ: في صلاتِهم ساهونَ" (١).
لأنَّ ذَهَابَ بعضِ الخشوعِ لا يكادُ يَسلَمُ منه أحدٌ، وقد سأَلَ مُصعبُ بنُ سعدٍ سعدًا، فقال: {هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}: أهو ما يحدِّثُ به أحدُنا نفسَهُ في صلاتِه؟ قال: لا؛ ولكنَّ السهوَ أن يُؤخِّرَها عن وقتِها (٢).
وقد تقدَّم الكلامُ على الخشوعِ وحُكْمِهِ في أولِ سورةِ المؤمنونَ.
وحمَلَ هذه الآيةَ على تأخيرِ الصلاةِ عن وقتِها، لا تركِها بالكليَّةِ: جماعةٌ مِن السلفِ؛ كسعدٍ وابنِ عبَّاسٍ والشعبيِّ، ومسروقٍ (٣).
ومِن السلفِ: مَن حمَلَها على التركِ، وهذا قولٌ لابنِ عبَّاسٍ رواهُ عنه عليُّ بن أبي طَلْحةَ، ولكنَّ ابنَ عبَّاسٍ قيَّد التَّرْكَ بتركِ المنافِقِ سِرًّا ويَفعَلُها علانيَةً، فقال: "فهم المُنافِقونَ؛ كانوا يُراؤُونَ الناسَ بصَلَاتِهم إذا حضَرُوا، ويترُكُونَها إذا غابُوا، وَيَمنَعُونَهُمُ العَارِيَّةَ بُغضًا لهم، وهو الماعونُ" (٤).
وبهذا المعنى قال جماعةٌ؛ كمجاهِدٍ والضحَّاكِ وغيرِهما (٥).
وهذا المعنى صحيحٌ، ولا يخرُجُ عن القولِ السابقِ له، لأنَّ المنافِقَ إمَّا أن يكونَ نفاقُهُ أكَبَرَ؛ فيَتْرُكَ الصلاةَ المفروضةَ في السِّرِّ بالكليَّةِ، ويُنشِئَها رِياءً وعلانيَةً للناسِ، وإمَّا أن يكونَ نفاقُهُ ليس بأكبَرَ؛ فيَجذِبَهُ الإيمانُ عن التَّرْكِ، ويَجعلَهُ نفاقُهُ يَتراخَى عن وقتِها، وهو بينَ مَدِّ النِّفاقِ وجَزْرِ الإيمانِ للوقتِ، ومِن هذا ما ثبَتَ في مسلمٍ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-
(١) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦٠).
(٣) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦٠).
(٤) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٤٦٨).
(٥) "تفسير الطبري" (٢٤/ ٦٦٢ و ٦٦٥)، و"تفسير القرطبي" (٢٢/ ٥١١).