قال ابنُ دُرَيْدٍ: "لمَّا نقَلُوا أسماءَ الشهورِ عن اللغةِ القديمةِ، أَسْمَوْها بالأزمنةِ التي وقعَتْ فيها، فوافقَ رمَضَانُ أيَّامَ رمَضِ الحرِّ وشِدَّتِه؛ فسُمِّيَ به" (١)، ثم كَثُرَ استعمالُها في الأَهِلَّةِ، وإن لم تُوافِق ذلك الزمانَ.
ويُقالُ: إنَّ أولَ مَن سمَّاها بهذه الأسماءِ كِلَابُ بنُ مُرَّةَ مِن قُرَيْشٍ، واسمُ رَمَضانَ في الجاهليَّةِ: النَّاتِقُ أو النَّاطِلُ؛ مِن الناقةِ الناتِقِ؛ أيْ: كثيرةِ الولادةِ، أو مِن الناطِلِ وهو: كيلُ السَّوَائِلِ.
ويذكُرُ الفَلَكيُّونَ: أنَّ التسميةَ الجديدةَ للشهورِ وقعَتْ في الخريفِ، وهو ليس شديدَ الحَرِّ، وهذا يعكِّرُ عليه القولُ بتسميتِهِ لِشِدَّةِ الحرِّ كما قال ابنُ دُرَيْدٍ وغيرُه.
وقيل: مأخوذٌ مِن رَمَضِ الصائمِ، وهو حَرُّ جَوْفِهِ مِن شِدَّةِ العطشِ.
وقيل: لأنَّه يَرْمَضُ الذنوبَ ويَحْرِقُها بالرحمةِ والمغفرةِ التي تتنزَّلُ فيه؛ فرمضانُ مِن أعظمِ مكفِّراتِ الذنوبِ لمَنِ احتسَبَ صيامَهُ وقيامَه، وقد جاء في "الصحيحَيْنِ" مرفوعًا: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (٢)، فالصومُ يَرْمَضُ الذنبَ ويَحْرِقُهُ، كما أنَّ الصومَ يَرْمَضُ النَّفْسَ؛ فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
وقيل: هو مِن: رمَضْتُ النَّضْلَ أَرْمِضُهُ رَمْضًا: إذا دقَقْتَهُ بينَ حجرَيْنِ لِيَرِقَّ؛ سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه شهرُ مشقَّةٍ ومكابَدةٍ، وعُسْرٍ وجُوعٍ، يذكِّرُ الصائمينَ بما يقاسِيهِ أهلُ النارِ فيها.
وقيل: لأنَّهم كانوا يَرْمِضُونَ أسلحتَهم فيه - أيْ: يرقِّقُونَها - ليُحارِبوا بها في شَوَّالٍ قبلَ دخولِ الأشهُرِ الحرُمِ.
(١) "جمهرة اللغة" لابن دريد (٢/ ٧٥١).
(٢) أخرجه البخاري (٣٨) (١/ ١٦)، ومسلم (٧٦٠) (١/ ٥٢٣)؛ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.