وروى ابنُ جريرٍ، عن بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "الرَّفَثُ: الجِمَاعُ، ولكِنَّ اللهَ كريمٌ يَكْنِي" (١).
ورُوِيَ هذا عن عامَّةِ المفسِّرينَ مِنَ السلفِ.
حكمُ الجماعِ ليلَ رمضانَ:
وقدْ بيَّن اللهُ إباحةَ الرَّفَثِ إلى النِّساءِ، وأنَّ المرادَ به الجِمَاعُ في قولِه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، وهو شِدَّةُ الالتصاقِ؛ وذلك أنَّ تحريمَ قُرْبِ النساءِ ليلًا بِالمباشَرةِ شاقٌّ؛ لأنَّه وقتُ ضِجْعَةٍ وقُرْبٍ، وفي النهارِ يسيرٌ؛ لأنَّه وقتُ بُعْدٍ عنِ النساءِ بِالكَسْبِ وطَلَبِ العَيْشِ، ويَظهَرُ أثرُ المشقَّةِ في قولِهِ تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}؛ أيْ: تُقدِمونَ وتُبيِّتونَ في نفوسِكُمُ القُرْبَ مِن النساءِ، وتَرجِعونَ مَرَّةً وتُقْدِمُونَ أُخرَى؛ كحالِ الخائِنِ المتربِّصِ المتهيِّبِ.
وسَمَّى اللهُ النساءَ لِبَاسًا للرَّجُلِ، والرَّجُلَ لِبَاسًا للمرأةِ؛ كنايةً عنْ سَتْرِ ما يُبدِيهِ الإنسانُ من رَغْبةِ أحدِهِما في الجِنْسِ الآخَرِ، وطَمَعِهِ في قضاءِ وَطَرِهِ، فالمرأةُ تَقضِي حاجةَ الرَّجُلِ فتَسْتُرُ نَزْوَتَهُ، والرَّجُلُ يَقْضِي حاجةَ المرأَةِ وَيَسْتُرُ نَزْوَتَها؛ فوقوعُ الجِنسَيْنِ بعضِهِما بِبعضٍ بِمَسٍّ أو رَفَثٍ أو جِمَاعٍ محرَّمٌ، وهذه الأَفعالُ يستُرُها أحدُهُما عند زواجِهِ بالآخَرِ.
وقولُه: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}؛ أَيْ: جازَتْ لكمُ المباشَرةُ بظهورِ الحُكْمِ مِنَ اللهِ المُزِيلِ لما تَجِدُونَهُ مِن مشقَّةِ التحريمِ.
وقَولُه: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؛ يَعنِي: الوَلَدَ وقضاءَ الوَطَرِ.
وفي قولِه تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٢٢٩).