واتَّفَقَ الأئمَّةُ على أنَّ الإحرامَ للحجِّ إنَّما يكونُ في أشهُرِهِ؛ وهذا هو الذي شرَعَه اللهُ لعبادِه، ولكنِ اختلَفُوا في صِحَّةِ الإحرامِ وانعقادِهِ:
فذهَبَ مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمدُ: إلى صحةِ الإحرامِ بالحجِّ في غيرِ أشهُرِه، وقال الشافعيُّ: الإحرامُ للحجِّ في غيرِ أشهُرِهِ لا يصحُّ؛ وإنَّما ينقلبُ عُمْرةً.
وهو قولُ عطاءِ وطاوُسٍ والأوزاعيِّ.
قال ابنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: "مِن السُّنَّةِ ألَّا يُحرِمَ بِالحَجِّ إِلَّا في أَشْهُرِ الْحَجِّ".
علَّقَه البخاريُّ مجزومًا به (١)، وأخرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبةَ مِن حديثِ الحكَمِ، عن مِقسَمٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ (٢).
وصحَّ عن جابرٍ؛ قال: "لا يُحرَمُ بالحجِّ إلَّا في أشهُرِ الحجِّ" (٣).
تقدُّمُ مشروعِيَّة الحجِّ:
ورُوِيَ عن عطاءٍ وطاوسٍ ومجاهِدٍ وغيرِهم (٤).
وهذه الآيةُ مِن أوائلِ ما نزَلَ في المدينةِ، والحجُّ إنَّما فرَضَهُ اللهُ على المسلِمِينَ بعدَ ذلك بزمنٍ؛ دَلَالةً على مشروعيَّتِه، وأهميَّةِ حفظِ حدودِهِ ومعرفتِها، ولو لم يتمكَّنِ المسلِمُونَ مِن أدائِه؛ لقوَّةِ شَوْكةِ المشرِكِينَ.
وفيه: أنَّ أحكامَ الدِّينِ التي لا يتمكَّنُ المسلِمُونَ مِن أدائِها يجبُ ألَّا تُغيَّبَ عن الناسِ، بل تُعلَّمُ ويُفقَّهُ الناسُ فيها؛ وذلك كالجهادِ في
(١) "صحيح البخاري" (٢/ ١٤١).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٤٦١٧) (٣/ ٣٢٣).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٤٦١٨) (٣/ ٣٢٣).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٤٦١٩) (٣/ ٣٢٣).