أشدُّ وقعًا في قلوبِهم، وعلامةٌ على ثباتِ المسلِمينَ وصَبْرِهم وإصرارِهم.
والأشهُرُ الحُرُمُ المذكورةُ في الآيةِ أربعةٌ، وهي المذكورةُ في الآيةِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} التوبة: ٣٦، وهي: ثلاثةٌ سَرْدٌ، وواحدٌ فَرْدٌ، فأمَّا السَّرْدُ المتتابِعةُ، فهي ذو القَعْدةِ وذو الحِجَّةِ والمحرَّمُ؛ وذلك لأنَّ الحجَّ واقعٌ فيها ذَهَابًا ورجوعًا وأداءً.
وأمَّا الشَّهْرُ الفَرْدُ، فهو شهرُ رَجَبٍ، وكان أهلُ الجاهليَّةِ يسمُّونَهُ شهرَ العُمْرةِ، وقد حرَّمَتْهُ مُضَرُ كلُّها؛ ولذلك يقالُ له: رَجَبُ مُضَرَ.
وقد جاءَ في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي بَكْرةَ - رضي الله عنه -، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: (إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرْضِ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) (١).
وإنَّما سمَّاه النبيُّ رَجَبَ مُضَرَ؛ لأنَّ ربيعةَ تُسمِّي رَجبًا ما بين شَعْبانَ وشوَّالٍ، وهو رَمضانُ؛ تسمِّيه رَجبًا.
ولو لم يحرِّمِ اللهُ القتالَ في الأشهُرِ الحُرُمِ، لتعطَّلَ الحجُّ والعُمْرةُ، ولم يصبِحْ لحَرَمِ اللهِ هَيْبةٌ، وانتقَصَ أمانُهُ وانتقَضَ.
العمرةُ في أشهرِ الحجِّ:
واعتمَرَ النبيُّ أربعَ عُمَرٍ؛ كلُّهُنَّ في أشهُرِ الحِجِّ، وهُنَّ أشهُرٌ حُرُمٌ؛ وهذا دليلٌ على أنَّ العُمْرةَ في أشهُرِ الحَجِّ أفضلُ مِن العُمْرةِ في غيرِها، حتَّى رمَضَانَ.
وأمَّا حديثُ: (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً) (٢)، فهذا فضلٌ، لا تفضيلٌ، وتتابُعُ فِعْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على الاعتمارِ في أشهُرِ الحجِّ دليلُ القَصْدِ،
(١) أخرجه البخاري (٤٤٠٦) (٥/ ١٧٧) , ومسلم (١٦٧٩) (٣/ ١٣٠٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٧٨٢) (٣/ ٣) , ومسلم (١٢٥٦) (٢/ ٩١٧)