فاللهُ قرَنَ العُمْرةَ بالحجِّ في وجوبِ الإتمامِ، لا في الابتِداءِ؛ لأنَّ الابتداءَ لم يُفرَضْ بعدُ.
ولذا تعدَّدَتْ تفسيراتُ المفسِّرينَ مِن السلفِ لـ "الإتمامِ" في الآيةِ بما يحقِّقُ معنى إنشاءِ القصدِ والسَّفَرِ الخاصِّ للنُّسُكِ، وإنْ تغايَرَ التفسيرُ مع غيرِهم من المفسِّرين لفظًا، ولكنَّه يؤيِّدُ المعنى الواحدَ السالفَ؛ فقد روى ابنُ جريرٍ، عن طارقِ بنِ شِهَابٍ؛ قال: سألتُ ابنَ مسعودٍ عن امرأةٍ مِنَّا أرادَتْ أن تَجمَعَ معَ حجِّها عُمْرةً؟ فقال: أسمَعُ اللهَ يقولُ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} البقرة: ١٩٧؛ ما أُراها إلَّا أشهُرَ الحجِّ (١).
وروى ابنُ أبي حزمٍ القُطَعِيُّ، قال: سمعتُ محمدَ بنَ سِيرِينَ يَقولُ: "ما أحدٌ مِن أهلِ العلمِ شَكَّ أنَّ عُمْرةً في غيرِ أشهُرِ الحجِّ أفضَلُ مِن عُمْرةٍ في أشهُرِ الحجِّ" (٢).
وروى عن سعيدٍ، عن قَتَادةَ قولَهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}؛ قال: "وتَمَامُ العُمْرةِ: ما كان في غيرِ أشهُرِ الحَجِّ" (٣).
ومُرادُه: ألَّا تجعَلَ العُمْرةَ متَّصِلةً بنفسِ قصدِ الحجِّ وسَفَرِه، بل تُنشِئَ لها سَفَرًا منفرِدًا عنِ الحجِّ.
وروى عن ابنِ عَوْنٍ؛ قالَ: سَمِعْتُ القاسمَ بنَ محمَّدٍ يقولُ: "إنَّ العُمْرةَ في أشهُرِ الحجِّ ليسَتْ بتامَّةٍ، قال: فقيلَ له: العُمْرةُ في المحرَّمِ؟ قال: كانوا يَرَوْنها تامَّةً" (٤).
وذلك لأنَّ المحرَّمَ ليس مِن أشهُرِ الحَجِّ التي هي مَظِنَّةُ اشتراكِ القاصدِ لمَكَّةَ الجمعَ بينَ الحجِّ والعمرةِ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٥٠ - ٤٥١).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٥١).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٣٠).
(٤) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٣١) و (٣/ ٤٥٠).