وهذه مراسيلُ.
وقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}: إنَّما ذكَرَ الحَلْقَ؛ لأنَّه أعمُّ مِن التقصيرِ، فكلُّ محلِّقٍ مقصِّرٌ، وليس كلُّ مقصِّرٍ محلِّقًا؛ والحَلْقُ أفضَلُ وأكمَلُ.
وذكَرَ الرأسَ؛ لأنَّ اللِّحْيةَ لا تُحلَقُ، بل لا يجوز حَلْقُها بالاتِّفاقِ، وإنَّما تقصَّرُ في النسكِ على قولِ بعضِ السَّلَفِ مِن الصحابةِ وغيرِهم؛ فقد كان ابنُ عُمَرَ وابنُ عبَّاسٍ يقولانِ بالأخذِ منها عندَ التحلُّلِ، ويتأوَّلانِ قولَ اللهِ تعالى: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} الحج: ٢٩.
ورواه ابنُ جريرٍ، عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} الحج: ٢٩؛ قَالَ: "حَلْقُ الرَّأْسِ، وحَلْقُ العَانَةِ، وقَصُّ الأَظْفَارِ، وقَصُّ الشَّارِبِ، ورَمْيُ الجِمَارِ، وقَصُّ اللِّحْيةِ" (١).
مشروعيَّةُ استيعاب حلْقِ الرأسِ:
وذِكرُ الحَلْقِ في الآيةِ تنويهٌ بما هو أَولى بالنُّسُكِ، وهو الحَلْقُ، وأنَّ أَخْذَ شَعَراتٍ يسيراتٍ لا يسمَّى حلقًا ولا تقصيرًا، حتَّى يَستوعِبَ شعرَ الرأسِ أو أكثَرَهُ؛ أخذًا أو تَقصيرًا؛ ولذا ذكَرَ الرأسَ، ولم يذكُرِ الشَّعْرَ؛ فقال: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} ولم يقلْ: "ولا تَحلِقوا الشَّعْرَ"؛ تنبيهًا على تأكيدِ استيعابِ الرأسِ، وأنَّ مَن أخَذَ مِن ناصيتِهِ، لم يأخُذْ مِن رأسِه؛ وإنَّما أخَذَ مِن شعرِهِ أو مِن ناصيتِهِ.
والمرأةُ تأخُذُ مِن رأسِها قدرَ الأُنْمُلَةِ، فتجمَعُهُ بيَدِها، ثُمَّ تأخُذُ منه، ويُجزِئُها ذلك.
والأَصْلَعُ يُمِرُّ المُوسَى على رأسِهِ؛ كما قاله ابنُ عُمَرَ.
(١) "تفسير الطبري" (١٦/ ٥٢٧).