"الحَجُّ أشهُرٌ معلوماتٌ؛ ليس فيها عُمْرةٌ" (١)؛ وهو صحيحٌ.
قال محمدُ بنُ سِيرِينَ: "ما أحدٌ مِن أهلِ العلم يَشُكُّ في أنَّ عمرةً في غيرِ أشهرِ الحجِّ أفضلُ مِن عمرةٍ في أشهرِ الحجِّ" (٢).
وليس المرادُ في ذلك تفضيلَ الإفرادِ على التمتُّعِ بكلِّ حالٍ، ولكنَّ المرادَ أنَّ فضلَ العمرةِ بسفرٍ قاصدٍ وَحْدَها أعظَمُ ممَّن قَصَدَ حَجَّتَهُ وعمرتَهُ بسفرةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ مَن قصَدَ مكةَ بعمرةٍ في أشهرِ الحجِّ أنَّه يُتْبِعُها بحجٍّ مِن عامِه.
وقد كان عمرُ بنُ الخَطَّابِ يَرَى فَضْلَ التمتُّعِ ولوِ اعتمَرَ بسفرٍ خاصٍّ مِن عامِه؛ كما صحَّ عنه عندَ ابنِ أبي شَيْبةَ؛ أنَّه قال: "لوِ اعْتَمَرْتُ ثمَّ اعْتَمَرْتُ ثمَّ حَجَجْتُ، لَتَمَتَّعْتُ" (٣).
ولهذا ذكَرَ غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ: أنَّ العمرةَ في غيرِ أشهرِ الحجِّ أفضلُ مِن العمرةِ في أشهرِ الحجِّ، ومرادُهم: قَصْدُ النُّسُكَيْنِ بسفَرَيْنِ؛ وإلا فعُمَرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كلُّها في أشهرِ الحجِّ، كان يقصدُ العمرةَ في ذي القَعْدةِ ويَرجِعُ، إلا لمَّا حَجَّ، قَرَنَ عمرتَهُ بحَجَّتِه.
وروى أيُّوبُ، عن نافعٍ؛ قال: قال ابنُ عمرَ: "أنْ تَفْصِلُوا بينَ أشهُرِ الحجِّ والعمرةِ، فتجعَلُوا العمرةَ في غيرِ أشهرِ الحجِّ: أتمُّ لحجِّ أحدِكم، وأتمُّ لعُمْرتِهِ" (٤).
فهم يَرَوْنَ التمامَ للنسك بالعملِ التامِّ مِن دارِ الرجلِ، قاصدًا إلى دارِهِ راجعًا، لحجِّهِ وعمرتِهِ، كلُّ واحدةٍ منفردة.
لذا ذكَرَ مالكٌ أنَّ مِن أشهُرِ الحجِّ ذا الحِجَّةِ كاملًا؛ لأنَّ العمرةَ
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٤٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٥١).
(٣) "مصنف ابن أبي شيبة" (١٣٧٠٠) (٣/ ٢٢٨).
(٤) "تفسير الطبري" (٣/ ٤٤٩).