والصحيحُ: أنَّ جَمْعَ الصلاتَيْنِ بمزدَلِفةَ، كالجمعِ بعَرَفةَ ومِنًى لغيرِ أهلِ مكةَ: جَمْعُ سَفَرٍ، لا جَمْعُ نُسُكٍ، ولكنْ يُقتدَى بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في تقديمِ الصلاتَيْنِ بعَرَفةَ، وتأخيرِ الصلاتَيْنِ بمزدَلِفةَ؛ للانشغالِ بالدعاءِ، ولأنَّه أيسَرُ للمُفِيضِ مِن عَرَفةَ.
المبيتُ بمزدَلِفةَ وحكم التعجُّلِ:
ومزدَلِفةُ كلُّها مَبِيتٌ ومَوْقِفٌ، لا يفضُلُ بعضُها على بعضٍ باتِّفاقِ السلفِ؛ وإنَّما وقَفَ النبيُّ في مكانٍ منها اتِّفاقًا، لا اختيارًا وتفضيلًا عن بقيَّةِ المشعرِ الحرامِ.
ويُستحَبُّ الوقوفُ بعدَ صلاةِ الفجرِ بمزدَلِفةَ قليلًا، ثمَّ يُفِيضُ الحاجُّ قبلَ طلوعِ الشمسِ إلى مِنًى ليَرْمِيَ الجمرةَ، والمَبِيتُ واجبٌ إلى صلاةِ الفجرِ، والوقوف بعدَ الفجرِ سُنَّةٌ.
ويجوزُ الدفع للضَّعَفَةِ مِن المَرْضَى وكبارِ السنِّ والأطفالِ، وكذلك الصحيحُ إنْ كان مرافقًا لضعيفٍ أنْ يدفَعَ معه منتصَفَ الليلِ، أو بعدَ مَغِيبِ القمرِ، والقويُّ الحارسُ للضَّعَفَةِ والقائدُ لهم وخادمُهُمْ يأخُذُ حُكْمَهم، ومِثْلُهم مَن خَشِيَ فواتَ رُفْقَتِهِ مِن الضَّعَفَةِ يدفَعُ معهم متعجِّلًا ولو كان في نفسِهِ قويًّا؛ فقد كان مَوْلَى أسماءَ يدفَعُ معها؛ وهي مِن الضَّعَفَةِ، وهو قويٌّ.
وقولُهُ تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ}، المرادُ بقضاءِ المناسكِ: هي أعمالُ يومِ النَّحْرِ؛ قاله مجاهدٌ (١).
قال عطاءٌ: قضَيْتُمْ حَجَّكم (٢).
وبهذه الآيةِ يُستدَلُّ لمَنْ قال بركنيَّةِ الوقوفِ بمزدَلِفةَ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٥٣٥).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٥٥).