البشرِ، فما أجابَها اللهُ بتمامِ مقصودِها، فورودُ السؤالِ في أذهانِ البشرِ منِ بابِ أولى، وعدمُ إجابةِ اللهِ للبشرِ مِن بابِ أَولى أيضًا.
بخلافِ العقولِ البشريَّةِ فيما بينَها؛ فبعضُهَا يُدرِكُ ما يُدرِكُهُ أشباهُها؛ لهذا وجَبَ بيانُ الحِكمةِ مِن أمرِ المأمورِ عندَ سؤالِهِ عنه، مع أنَّ امتثالَهُ لأمرِ وليِّ الأمرِ لا يلزَمُ منه فهمُهُ لحكمتِهِ إذا قَصَرَ علمُهُ عن استيعابِه، ما لم يكنْ معصيةً ظاهرةً للهِ؛ فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ.
جوازُ استعمال القياسِ:
وعلى استخلافِ اللهِ الجِنَّ في الأرضِ قاسَ الملائكةُ الفسادَ فيها في استخلافِ البشرِ، وفي هذه الآيةِ دليلٌ على جوازِ القياسِ مِن جهةِ الاستدلالِ به، وعلى عدمِ الاعتارِ به أحيانًا أيضًا:
أمَّا جوازُهُ: فحيثُ قاسَتِ الملائكةُ أمرَ بني آدمَ على أمرِ الجنِّ في الإفسادِ؛ للعِلَّةِ بينهما، وهي الاستخلافُ.
وأمَّا عدَمُ الاعتبارِ به مع جوازِهِ: فإنَّ اللهَ ما ردَّ قولَ الملائكةِ في قياسِهم؛ وإنَّما بَيَّنَ عدمَ الاعتبارِ به لعلةٍ وحكمةٍ غائبةٍ تليقُ بعلمِ اللهِ، وتقصُرُ عنها مدارِكُ الملائكةِ؛ وهي الفارقُ الذي يمنعُ اعتبارَ القياس.
قاعدةُ درءِ المفاسد:
وفي الآيةِ: دليلٌ على جوازِ الاستدلال بقاعدةِ: "دَرْءُ المَفَاسِدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المَصَالِحِ"، وعلى عدمِ الاعتارِ بها في بعضِ المواضعِ؛ لعلةٍ أقوَى في المصلحةِ:
أمَّا الاستدلالُ بها على جوازِ هذه القاعدةِ: فهو في قولِ الملائكةِ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}؛ عَلِمُوا مِن خلقِ اللهِ المصلحةَ، فاللهُ لا يخلُقُ شرًّا مَحْضًا، ولا شرًّا غالبًا سبحانَه، ويَعْلَمونَ من حالِ المستخلَفِينَ الفسادَ في الأرضِ، فاستشكَلُوا ذلك، فاستفهَمُوا من اللهِ سبحانَه عن تقديمِ المصلحةِ الغائبةِ عنهم على تلك المفسدةِ الظاهرةِ لهم.