{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} هود: ٨٠ , قال قتادةُ: يعني: العَشِيرة، وقال السُّدِّيُّ: آوِي إلى جُنْدٍ شديدٍ، لَقَاتَلْتُكم (١).
وفيه: أنَّ القتالَ يسقُطُ مع الضعفِ والعجزِ، ويجبُ مع القوةِ والقدرةِ؛ ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في قولِ لوطٍ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}: (كَانَ يَأْوِي إِلَى رَكْنٍ شَدِيدٍ؛ إِلَى رَبِّهِ - عز وجل -؛ فَمَا بُعِثَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ)؛ رواهُ أحمدُ والترمذيُّ (٢)، والمرادُ بالثَّرْوةِ: الكثرةُ والمَنَعَةُ والقوةُ.
فالجهادُ مشروعٌ في كلِّ الشرائعِ، ولكنْ تضعُفُ أسبابُهُ فلا يقومُ، وإذا قَوِيَتْ أُقِيمَ، وكلُّ نبيٍّ وأُمَّةٍ بحَسَبِها.
وقد روى ابنُ أبي حاتمٍ، عن ابنِ شهابٍ؛ قال: "الجهادُ مكتوبٌ عَلَى كلِّ أحدٍ، غَزَا أو قعَدَ؛ فالقاعدُ إنِ استُعِينَ به أعانَ، وإنِ استُغِيثَ به أغاثَ، وإنِ استُغنيَ عنه قعَدَ" (٣).
وهو شريعةٌ لكلِّ الأممِ، لا كلِّ فردٍ منها، وفي هذه الأمَّةِ شريعةٌ على كلِّ فردٍ مِن الرجالِ، وأعلاهُ القتالُ بالنَّفْسِ، وأدناهُ بحديثِ النَّفْسِ، يسقُطُ الوجوبُ الأعلى بقيامِ مَن يكفِي، ولا يسقُطُ أدناهُ عن أحدٍ مكلَّفٍ مِن الرجالِ؛ ففي "الصحيحِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) (٤).
وحكى ابنُ جَرِيرٍ: أنَّ عامةَ المسلِمِينَ على أنَّ الأصلَ وجوبُهُ على الأفرادِ عملًا حتى يسقُطَ بمَنْ فيه كفايةٌ، وعَدَّهُ كالصلاةِ على الجنازةِ،
(١) "تفسير الطبري" (١٢/ ٥٠٩).
(٢) أخرجه أحمد (٨٩٨٧) (٢/ ٣٨٤)، والترمذي (٣١١٦) (٥/ ٢٩٣).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٨٣).
(٤) أخرجه مسلم (١٩١٠) (٣/ ١٥١٧)؛ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.