فكَرِهَها قومٌ؛ لقولِه: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}، وشَرِبها قومٌ، لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، حتَّى نزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} النساء: ٤٣ , قال: فكانُوا يَدَعُونها في حِينِ الصلاةِ، ويَشرَبونَها في غيرِ حينِ الصلاةِ، حتَّى نزلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} المائدة: ٩٠ , فقال عمرُ: ضَيْعَةً لَكِ! اليومَ قُرِنْتِ بالميسِرِ! " (١)
والخمرُ ممَّا وقَعَ الخلافُ في تحريمِ الشرائعِ السابِقةِ لها، والكتُبُ السابقةُ فيها ما يُشِيرُ إلى هذا وهذا، واللهُ أعلَمُ.
وقولُه: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}.
المرادُ بالعفوِ: ما زادَ وفضَلَ عن حاجةِ النَّفْسِ والزَّوْجةِ والوَلَدِ؛ روى مِقسَمٌ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "العفوُ: ما فضَلَ عن أهلِك".
وقال بهذا عطاءٌ وقتادةُ وغيرُهما (٢).
التوسُّطُ في النفقةِ:
وفيه: الحَثُّ على التوسُّطِ في النَّفَقةِ، وعدَمِ السَّرَفِ، والسَّرَفُ بالنفقةِ: أنْ يُنفِقَ الإنسانُ نفقةً تَضُرُّ مَن تجبُ عليه كِفَايَتُهم؛ كوالِدَيْهِ وأولادِه وزَوْجِه؛ فهو يقدِّمُ مستحَبًّا على واجبٍ.
وأمَّا تقديمُ أبي بكرٍ لمالِهِ كلِّه ولم يُبْقِ لهم إلَّا اللهَ ورسولَهُ، فذلك أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استَنْفَقَ الناسَ، وهو في حُكْمِ النَّفِيرِ، ثمَّ إنَّ أبا بكرٍ لم يجرِّدْ أهلَهُ مِن المالِ الذي يقومُونَ به مِن مَلْبَسِهم ومَرْكَبِهم ومَسْكَنِهم القائِمِينَ عليه، فهو لم يَبِعْ بيتًا ولا بِسَاطًا ولا مَرْكَبًا؛ وإنَّما أنفَقَ مالَهُ ممَّا زاد عى ذلك من نَقْدٍ وعَيْنٍ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٦٨١).
(٢) "تفسير ابن حاتم" (٢/ ٣٩٣).