إطلاقُ مدةِ السجنِ، وربطُها برجوعِ المُفْسِدِ عن فسادِهِ.
قال أحمدُ في المبتدِعِ الداعيةِ: يُحبَسُ حتى يَكُفَّ عنها (١).
وقال بهذا أبو يَعْلَى، وابنُ فَرْحُونَ، وغيرُهم.
وقال أبو عبدِ اللهِ الزبيريُّ - من أصحابِ الشافعيِّ -: تقدَّرُ غايتُهُ بشهرٍ للاستبراءِ والكشفِ، وبستةِ أشهرٍ للتأديبِ والتقويمِ (٢).
وقال الماورديُّ: فالظاهرُ مِن مذهبِ الشافعيِّ: تقديرُهُ بما دونَ الحولِ ولو بيومٍ واحدٍ؛ لئلَّا يصيرَ مساويًا لتعزيرِ الحولِ في الزِّنى (٣).
ومحالٌ أَنْ يَعزِمَ رجلٌ على قتلِ رجلٍ أو إفسادٍ في الأرضِ، ويُعلِنَ ذلك وهو في سِجنِهِ، ثمَّ يقولَ عالِمٌ معتبَرٌ: يجوزُ إخراجُهُ ليقتُلَ خَصْمًا يتوعَّدُهُ بلا حقٍّ.
وإنَّما مرادُ مَن قال مِن العلماءِ بمنعِ إبقاءِ السجينِ في سجنِهِ إلى أَجَلٍ غيرِ معلومٍ: في حالِ التعزيرِ على ذنبٍ وجُرْمٍ، لا في حالِ الخوفِ المتيقَّنِ مِن القيامِ بجُرْمٍ، ولا عبرةَ بالظنِّ هنا، وليس كلُّ ذنبٍ يعزِمُ الإنسانُ على تَكرارِهِ يُسجَنُ فيه إلى أجلٍ غيرِ معلومٍ.
والسجنُ عقوبةٌ عندَ عامَّةِ الفقهاءِ مِن السلفِ والخلفِ، ولكنْ يختلِفونَ في تقديرِها.
معنى السجنِ والنَّفي:
والنفيُ سِجْنٌ موسَّعٌ، والسجنُ عقوبةٌ وعذابٌ للنفسِ أولًا، ثمَّ للبَدَنِ: أنْ تتعطَّلَ قُواهُ عن الحركةِ فتضعُفَ، ويتعطَّلَ عقلُهُ ويُحْرَمَ مِن مشاهدةِ آياتِ الكونِ فيضعُفَ، ويَفْقِدَ الصلةَ بمَن يعرِفُ مِن أهلٍ وقرابةٍ وصداقةٍ، فتَفقِدَ حواسُّهُ الخمسُ مُتْعَتَها، فتتعذَّبَ بذلك؛ ولذا قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يوسف: ٢٥.
(١) "الفروع" (١٠/ ١١٥)، و"الإنصاف" (١٠/ ٢٤٩).
(٢) "الحاوي" (١٣/ ٤٢٥).
(٣) المصدر السابق.