وقد روى حَمَّادٌ، عنْ إبراهيمَ، عن عائشةَ؛ قالتْ: "إنِّي لأَكْرَهُ أنْ يَكونَ مالُ اليتيمِ عندي عُرَّةً، حتَّى أَخْلِطَ طعامَهُ بطَعَامي، وشَرابَه بشَرابي".
وعن أبي مِسكينٍ، عن إبراهيمَ؛ قال: "إنِّي لَأَكْرَهُ أنْ يَكُونَ مالُ اليتيمِ كالعُرَّةِ".
رَواهُما ابنُ جريرٍ (١).
وكالعُرَّةِ؛ يَعني: كالقَذَرِ؛ يَأنَف الإنسان مِن قُرْبِهِ ومِنْ مماسَّتِهِ.
واللهُ أرادَ حَثَّ الناسِ على خُلْطةِ اليتيمِ مع حُسْنِ قصدٍ؛ دفعًا للمشقَّةِ والحَرَجِ لكافِلِ اليتيمِ؛ مِن أن يتكلَّفَ الحسابَ، وربَّما دَفَعَهُ ذلك إلى الوَسْوَسةِ، وربَّما حَمَلَهُ على تركِ مالِ اليتيمِ والزُّهْدِ في تنميتِهِ، فيُضِرُّ ذلك باليتيمِ.
أثرُ النِّيَّةِ في التعاملِ مع مال اليتيمِ:
وقولُه: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
فيه: أثرُ النِّيَّةِ والقصدِ على العملِ، واللهُ رجَعَ الناسَ إلى صالِحِ نِيَّاتِهم وفاسِدِها، وعليها يُحاكَمُونَ، وأنَّ القصدَ يؤثِّرُ في حُكْمِ أَخْذِ مالِ اليتيمِ؛ فقاصِدُ السُّوءِ يتحيَّنُ الأخذَ ويستكثِرُ، وقاصِدُ الخيرِ لا يتحيَّنُ ويقلِّلُ؛ فأرادَ اللهُ مِن الناسِ إصلاحَ المقاصِدِ؛ لتؤثِّرَ على التوازنِ في العملِ، الذي لا يشعُرُ صاحِبُهُ باختلالِهِ إلَّا بشعورِه بحقيقةِ قصدِهِ ونِيَّتِهِ.
والنِّيَّةُ هي مدارُ الثوابِ والعقابِ، وإنِ اختلَفَ العملُ الظاهِرُ؛ فاللهُ لا يجازِي قاصِدَ الخيرِ الذي أضَرَّ بمالِ اليتيمِ بحُسْنِ قصدٍ ضَرَرًا عظيمًا إلَّا خيرًا؛ لقَصْدِهِ الحَسَنِ, ويجازِي قاصِدَ الشرِّ الذي أَضَرَّ بمالِ اليتيمِ ضَرَرًا يسيرًا بالإثمِ؛ لقصدِه السُّوء.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٠٥).