وبهذا قال أكثرُ المفسِّرينَ مِن السلفِ؛ كابنِ عباسٍ، ومجاهِدٍ، وعِكْرِمةَ، والحَسَنِ، والربيعِ، وغيرِهم.
روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ قولَهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}، ثمَّ استثنَى نساءَ أهل الكتابِ، فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} حِلٌّ لكم {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} المائدة: ٥ (١).
وروى يزيدُ النَّحْويُّ، عن عِكْرِمةَ والحَسَنِ البَصْريِّ؛ قالا: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}، فنُسِخَ مِن ذلك نساءُ أهلِ الكتابِ، أَحَلَّهُنَّ للمسلِينَ (٢).
وروى ابنُ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ؛ في قولِه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}، قال: "نساءُ أهلِ مَكَّةَ ومَن سِوَاهُنَّ مِن المشرِكينَ، ثمَّ أحَلَّ منهنَّ نساءَ أهلِ الكتابِ" (٣).
وقال به الربيعُ وغيرُهُ.
أخرَجَ ذلك ابنُ جريرٍ الطبريُّ وغيرُه (٤).
القولُ الثاني: أنَّ الآيةَ نزلَتْ خاصَّةً أوَّلَ نزولِها بالمشرِكينَ عُبَّادِ الأوثانِ، فهي عامةُ اللفظِ خاصَّةُ القصدِ؛ فيُقيِّدُ العمومَ النزولُ ومناسبتُهُ وزمَنُهُ.
وعلى هذا القولِ: فهي باقيةٌ لم تُنسَخْ، وآيةُ المائدةِ جاءَتْ بحُكْمٍ جديدٍ.
قال بهذا سعيدُ بن جُبَيْرٍ، ومجاهِدٌ، وقتادةُ، وحمَّادٌ؛ وبهذا فسَّرَ الآيةَ الشافعيُّ كما نقَلَهُ عنه البيهقيُّ، وكذلك أحمدُ بنُ حنبلٍ كما أسنَدَهُ عنه الخَلَّالُ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٩٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٢).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٢).
(٤) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٩٧).