وروى الصَّلْتُ بنُ بَهْرَامَ، عن شقيقٍ؛ قال: تزوَّجَ حُذَيْفةُ يهوديَّةً، فكتَبَ إليه عمرُ: "خَلِّ سَبِيلَها"، فكتَبَ إليه "أتزعُمُ أنَّها حرامٌ فأُخْلِيَ سبيلَها؟ "، فقال: "لا أزعُمُ أنَّها حَرَامٌ، ولكنْ أخافُ أنْ تَعَاطَوُا المُومِسَاتِ مِنْهُنَّ" (١).
وقد قال بِجَوَازِ زواجِ المسلِمِ مِن كتابيَّةٍ عامَّةُ السلفِ والخلفِ، وهو قولُ الأئمَّةِ الأربعةِ، وقولُ الثوريِّ والأوزاعيِّ.
ورُوِيَ عن قلةٍ مِن فقهاءِ السلفِ: المنعُ مِن زواجِ المسلِمِ مِن كتابيَّةٍ، فقد روى مَعْمَرٌ، عن قَتَادةَ والزُّهْريِّ؛ في قولِهِ: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ}، قال: "لا يَحِلُّ لك أنْ تُنْكِحَ يهوديًّا أو نصرانيًّا ولا مشرِكًا مِن غيرِ أهلِ دِيِنِك" (٢).
وروى ابنُ حَبِيبٍ، عن مالكٍ: كراهةَ الزواجِ مِن الكتابيَّةِ.
ولا يَقصِدُ مالكٌ التحريمَ؛ لظهورِ الآيةِ بالجوازِ وعملِ أهلِ المدينةِ، وربَّما كَرِهَهُ لقولِ ابنِ عمرَ ولكراهةِ عمرَ بنِ الخطابِ له، ولم يقصِدْ تحريمَهُ، فعِلَّتُهُ في ذلك كعلةِ عمرَ بالنهيِ عنه، ومالكٌ إنْ صحَّ الخبرُ عن عمرَ، لم يقدِّمْ عليه قولَ ابنِ عمرَ.
وروى الحسَنُ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ؛ قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (نَتَزَوَّجُ نِسَاءَ أَهْلِ الكِتَابِ، وَلَا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَنَا) (٣).
وقولُ اللَّهِ تعالى: {حَتَّى يُؤْمِنَّ}: دليلٌ على أنَّ النَّهْيَ لأجلِ الشركِ، وهو غايةُ النهي وعِلَّتُهُ، فإذا آمَنَّ، جازَ النكاحُ، وإذا لم يَصِحَّ زواج المسلِمةِ مِن كافرٍ ابتداءً، فلا يجوزُ البقاءُ عندَ مَن كفَرَ بعد إسلامِهِ بالاتِّفاقِ.
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٣٩٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٧١٦).