وقد كان الزُّهْريُّ والشَّعْبيُّ يقولانِ: "إذا زوَّجَتِ المرأةُ نفسَها كُفُؤًا بشاهدَيْنِ، فذلك نكاحٌ جائزٌ".
وكذلك كان أبو حَنِيفةَ يقولُ: "إذا زوَّجَتِ المرأةُ نفسَها كُفُؤًا بشاهدَيْنِ، فذلك نكاحٌ جائزٌ".
وهو قولُ زُفَرَ (١)، ولكنَّه مخالفٌ للقرآنِ والسُّنَّة والأثرِ:
قال ابنُ المُنذِرِ: "وأمَّا ما قاله النُّعْمانُ، فمُخالِفٌ للسُّنَّةِ، خارِجٌ عن قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ" (٢).
وفي "الموطَّإِ": أنَّ عائشةَ - رضي الله عنها - زَوَّجَتْ بنتَ أخِيها عبدِ الرحمنِ، وهو غائبٌ. . . الحديثَ (٣).
وقد رواهُ ابن جُرَيْجٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ القاسمِ بنِ محمدِ بنِ أبي بكرٍ، عن أبيه، عن عائشةَ - رضي الله عنها -؛ أنَّها أَنْكَحَتِ المنذِرَ بنَ الزبيرِ امرأةً مِن بني أخِيها، فضَرَبَتْ بينَهُمْ بسِتْرٍ، ثمَّ تَكَلَّمَتْ حتى إذا لم يَبْقَ إلا العقدُ أمَرَتْ رجلًا فأَنْكَحَ، ثمَّ قالتْ: ليس على النساءِ إنكاحٌ (٤).
ولا حُجَّةَ في المرويِّ عن عائشةَ؛ فهي فَعَلَتْ؛ لعِلْمِها أنَّ قولَها لا يُرَدُّ، ووكَلَتِ العقدَ إلى رجلٍ، فنُسِبَ الإنكاحُ إليها.
والنكاحُ بلا وَليٍّ لا يَصِحُّ، ولا حُكْمَ للنكاحِ ولا أثَرَ على الصحيحِ، ولو رَضِيَ الوليُّ بعدَ ذلك، فليس له أن يُمضِيَهُ؛ لأنَّه لم يَنعقِدْ أصلًا.
(١) "التمهيد" لابن عبد البر (١٩/ ٩٠).
(٢) "الأوسط" لابن المنذر (٨/ ٢٦٧)، و"الإشراف على مذاهب العلماء" له (٥/ ١٥).
(٣) "موطأ مالك" رواية أبي مصعب الزهري (١٥٦٤) (١/ ٦٠٣).
(٤) "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (٧/ ٢٤٤)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (١٧/ ٧٢ - ٧٣)، و"فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٨٦).