ولا يُعرَفُ مَن أَفْتَى بخلافِهِ أو قال بجوازِ وطءِ المرأةِ قبلَ غُسْلِها؛ روى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ: "إذا طَهُرَتْ مِن الدمِ، وتطهَّرَتْ بالماءِ"؛ وبهذا فسَّرَهُ مجاهِدٌ وعِكْرِمةُ، والحسنُ والليثُ (١).
حكمُ جماع الحائضِ:
وحكى ابنُ جريرٍ وغيرُهُ الاتِّفاقَ على أنَّه لا يجوزُ وطءُ المرأةِ الحائضِ بعدَ انقطاعِ الدمِ وقبلَ الغُسْلِ أو التيمُّمِ لعادمِ الماءِ؛ لظاهرِ الآيةِ (٢).
وذهَبَ أبو حنيفةَ: إلى جوازِ الوطءِ قَبلَ الغُسْل، لكنْ قيَّده بما إذا انقطَعَ الدمُ بأكثرِ الحيضِ عَشَرةِ أيامٍ؛ فقال: إنَّه لا يجبُ عليها الغُسْلُ في هذه الحالةِ.
والحقُّ: أنَّه لا دليلَ يعضُدُ هذا التقييدَ، ولا سلفَ ينصُرُهُ.
وإنَّما اختُلِفَ في القَدْرِ الذي يُطلَقُ عليه الغُسْلُ، وتُستحَلُّ به المرأةُ بعدَ انقطاعِ دَمِها:
والأكثرون: على أنَّه الغُسْلُ التامُّ كغُسْلِ الجنابةِ؛ وعلى هذا أصحابُ ابنِ عباسٍ؛ كمجاهِدٍ وعِكْرِمةَ، وقال به مِن البصريِّينَ: الحَسَنُ، ومِن الكوفيِّينَ: النَّخَعيُّ.
وقيل: وضوءُ الصلاةِ.
وقيل: غَسْلُ الفَرْجِ وتنقيتُهُ مِن الدمِ.
فقولُه تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}؛ يعني: الوطءَ في موضعِ القُبُلِ، وهو الموضِعُ الذي نُهِيتُمْ عنه تُؤْمَرونَ به دونَ مجاوزتِهِ؛ روى سعيدُ بن جبَيْرٍ، عن ابنِ عباسٍ: "مِنْ حيثُ جاء الدمُ مِن ثَمَّ أُمِرْتَ
(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٣٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٠٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٣٥).