نساءُ الأنصارِ إنَّما يُؤْتَيْنَ على جُنُوبِهِنَّ؛ فأنزَلَ اللهُ سبحانَه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (١).
والطويلُ يُحْتَمَلُ حديثُه.
ويَحْتمِلُ أنَّ هذا القولَ ظَنَّهُ ابنُ عمرَ على معنى الإتيانِ في الدُّبُرِ، لا مِن الدُّبُرِ في القُبُلِ، فوَهِمَ في المعنى؛ ولذا صحَّ عن ابنِ عباسٍ أنَّه قال: "إنَّ ابنَ عمرَ - واللهُ يَغْفِرُ له - أَوْهَمَ" (٢).
ثمَّ ذكَرَ ابنُ عباسٍ سبَبَ نزولِ الآيةِ، وقد صحَّ هذا عن ابنِ عباسٍ؛ رواهُ أبَانُ بنُ صالحٍ، عن مجاهدٍ، عنه، ولعلَّ ابنَ عُمَرَ لمَّا بانَ له الأمرُ ترَكَهُ، وهكذا مَنْ نقَلَ قولَهُ وأخَذَ به، فله قولٌ يُخالِفُهُ؛ كنافعٍ ومالكٍ يُوافِقُ الجماعةَ، وحَمْلُ أقوالِهم على ما اتَّفَقَتْ عليه كلمةُ عامَّةِ المفسِّرينَ الذين رُوِيَ عنهم القولُ فيها مِن الصحابةِ والتابعينَ وفَهِمُوهُ مِن الآيةِ: أحْرَى وأَوْلَى.
وأمَّا ما جاءَ عن ابنِ المُنْكَدِرِ: فقد رواهُ عبدُ المَلِكِ بنُ مَسْلَمةَ، عن الدَّرَاوَرْدِيِّ؛ قال: قيل لزَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: إنَّ محمَّدَ بنَ المنكَدِرِ يَنْهَى عن إتيانِ النساءِ في أدبارِهِنَّ، فقال زيدٌ: أَشْهَدُ على محمَّدٍ لَأَخْبَرَني أنَّه يفعَلُهُ (٣).
وعبدُ الملِكِ منكَرُ الحديثِ؛ قاله أبو زُرعةَ وغيرُهُ، وقال أبو حاتمٍ: "مضطرِبُ الحديثِ، ليس بالقويِّ" (٤).
والأحاديثُ الواردةُ في النهي عن إتيانِ المرأةِ في الدُّبُرِ وإنْ كانت معلولةً منفرِدةً، فكَثْرَتُها تدُلُّ على أَصلِها، وفي ظاهرِ القرآنِ وإطباقِ عامَّةِ السلفِ غُنْيَةٌ وكفايةُ.
وقد أخَذَ بعضُ السلفِ مِنْ قولِهِ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}: جوازَ
(١) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (٨٩٢٩) (٨/ ١٩٠).
(٢) أخرجه أبو داود (٢١٦٤) (٢/ ٢٤٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥١).
(٤) "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (٥/ ٣٧١).