وقد جاء في "الصحيحَيْنِ"، واللفظُ للبخاريِّ، عن أبي هُرَيْرةَ؛ قال. قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنِ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ، فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا، لِيَبَرَّ)؛ يَعْنِي: الكَفَّارةَ (١).
وروى عليُّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قولَهُ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}، يقولُ: "لَا تَجْعَلْنِي عُرْضَةً لِيَمِينِكَ أَلَّا تَصْنَعَ الخَيْرَ؛ وَلَكِنْ كَفِّرْ عَن يَمِينِكَ، وَاصْنَعِ الخَيْرَ" (٢).
وقال مجاهدٌ في قولِهِ: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}: "فأُمِرُوا بِالصِّلَةِ، والمَعْرُوفِ، والإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فإِنْ حَلَفَ حَالِفٌ أَلَّا يَفْعَلَ ذلك، فَلْيَفْعَلْهُ وَلْيَدَعْ يَمِينَهُ" (٣).
ورُوِيَ عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وعطاءٍ وطاوسٍ والنَّخَعيِّ نحوُهُ (٤).
اليمينُ على المعصيةِ:
وكلُّ يمينٍ تكونُ سببًا في تركِ الطاعةِ؛ كالصلاةِ والصدقةِ وصِلَةِ الرحمِ، فلا يجوزُ إمضاؤُها ولا العملُ بها، بل يكفِّرُ صاحبُها عن يمينِه ويأتي الذي هو خيرٌ، وهذا إذا كان في يمينِ الإنسانِ لنفسِهِ؛ فإنَّ يمينَ غيرِه عليه أَوْلَى بالتركِ وعدمِ إبرارِها.
وكلُّ يمينٍ تَحُولُ بينَ الإنسانِ وبينَ عملِ بِرٍّ أمَرَ اللهُ به أو حَثَّ عليه ولو لم يكنْ واجبًا، فلا يَلْزَمُ صاحِبَها الوفاءُ بها، ويتأكَّدُ نقضُها بحسَبِ منزلةِ الطاعةِ التي حالَتْ يمينُهُ بينَهُ وبينَها؛ فإنْ كانتِ الطاعةُ واجِبةً، وجَبَ عليه نقضُ اليمينِ؛ لأنَّ اليمينَ إنَّما عُظِّمَتْ لأجلِ المحلوفِ به، وهو اللهُ، واللهُ لا يَحُولُ بينَ الجدِ وبينَ أوامرِه، وإنْ كانت مستَحَبَّةً،
(١) أخرجه البخاري (٦٦٢٦) (٨/ ١٢٨)، ومسلم (١٦٥٥) (٣/ ١٢٧٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٨).
(٣) "تفسير الطبري" (٤/ ٩).
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٠٧).