ومَن قال: "لا واللهِ، وبَلَى واللهِ"، ونحوَ هذا، قاصدًا اليمينَ، فهي يمينٌ ولو كانت ممَّا تجري مجرَى اللَّغْوِ عادةً؛ لانعقادِ القصدِ، وقد قيَّدَتْ عائشةُ وغيرُها لَغْوَ اليمينِ بعدَمِ القصدِ، قالتْ: "ما لم يَعقِدْ عليه قَلْبَه" (١).
لأنَّ الأصلَ في هده الألفاظِ أنَّها يمينٌ، ورُفِعَ انعقادُها؛ لانتفاءِ القصدِ.
ومِن السلفِ مَن فسَّر اللَّغْوَ بالحَلِفِ على شيءٍ يظُنُّهُ كذلك، وهو ليس كذلك، فهو خطأٌ مِن الحالفِ وليس بعمدٍ؛ قال أبو هريرةَ في لَغْوِ اليمينِ: "حَلِفُ الإنسانِ على الشيءِ يَظُنُّ أنَّه الذي حلَفَ عليهِ، فإذا هو غيرُ ذلك"؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (٢).
ورُوِيَ هذا القولُ عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، به (٣)، وجاء عن مجاهِدٍ (٤) والزُّهْريِّ والنَّخَعيِّ (٥) وقتادةَ (٦)، وقال به أبو حَنِيفةَ ومالكٌ وجماعةٌ مِن فقهاءِ الحنابلةِ، وقال مالكٌ في هذا المعنى، كما في "الموطَّإِ": "هذا أحسنُ ما سَمِعْتُ" (٧)؛ أيْ: في تفسيرِ الآيةِ.
وحمَلَهُ بعضُ السلفِ على يمينِ الغَضْبانِ؛ وهو قولٌ قالَهُ ابنْ عبَّاسٍ وطاوُسٌ (٨).
وهذه الأقوالُ يجمَعُها انتفاءُ القصدِ من الحالفِ، وهي مِن التنوُّعِ لا التضادِّ؛ فقد فسَّر الواحدُ مِن السلفِ اللَّغْوَ بجميعِ ما سبَقَ، وبعضُهم بأكثَرِهِ؛ وذلك أنَّ اللَّغْوَ ما كانت صورتُهُ صورةَ يمينٍ، ولكنِ انتَفَى القصدُ الموجِبُ لانعقادِهِ يمينًا.
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ١٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ١٩).
(٣) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٠).
(٤) "تفسير الطبري" (٤/ ٢١).
(٥) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٢).
(٦) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٣).
(٧) "موطأ مالك" (عبد الباقي) (٢/ ٤٧٧).
(٨) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٦).