والثاني: الممنوعُ؛ وهو: الإيلاءُ فوقَ أربعةِ أشهرٍ؛ قُصِدَ به الإضرارُ أم لم يُقصَدْ به؛ لتحقُّقِ الضررِ غالبًا، ولو لم يَقصِدْهُ، ولمخالَفَتِهِ لأمرِ اللهِ وحُكْمِه.
وقيَّد بعضُ المفسِّرينَ الإيلاءَ بقصدِ إصرارِ الزوجِ بزوجتِهِ؛ قالوا: وإذا لم يقصدِ الإضرارَ بها، فهو قَسَمٌ ويمينٌ كسائرِ الأيمانِ، وبعضُهم: جعَلَ كُلَّ حَلِفٍ بعدمِ قُرْبِها إيلاءً ولو لم يقصِدِ الإضرارَ بها:
ذهَبَ إلى المعنى الأوَّلِ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، وابنُ عبَّاسٍ، والحسنُ، وعطاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ، وابنُ شهَابٍ الزُّهْريُّ.
رُوِيَ عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ مِنْ وجوهٍ؛ قالا: "لا إيلاءَ إلَّا بغَضَبٍ" (١).
ولذا فهم يَجْعَلُونَ كُلَّ حَلِفٍ سبَبُهُ غيرُ الغَضَبِ يمينًا لا إيلاءً؛ كمَن يَحلِفُ ألَّا يَقرَبَ زوجتَهُ لأنَّها تُرضِعُ أو لمَرَضِها؛ يُرِيدُ حَبْسَ نفسِهِ عنها؛ روى اينُ جريرٍ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عَطَاءٍ؛ قَالَ: "إذا حَلَفَ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ، فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ" (٢).
وإنَّما قيَّدَ بعضُ السلفِ الإيلاءَ بما كان في الغَضَبِ والضِّرَارِ؛ لأنَّ اللهَ إنَّما جعَلَ الإيلاءَ مَخْرَجًا للمرأةِ مِن أذِيَّةِ زوجِها لها بتَرْكِ قُرْبِها، وإذا كان حَلِفُهُ بغيرِ غَضَبٍ ولا إضرارٍ، فإنَّما فعَلَ ذلك لمصلحةِ زوجَتِه لِتُتِمَّ رَضَاعَها أو تَشْفَى مِن مَرَضِها، فهذا لحظِّ الزوجةِ، وطلبًا لرِضَاها، وليس للإضرارِ بها.
وذهَبَ إلى المعنى الثاني؛ أيْ: أنَّ كُلَّ حَلِفٍ مِن الزوجِ ألَّا يَقرَبَ زوجتَهُ، فهو إيلاءٌ أيًّا كان سبَبُهُ - قصَدَ الإضرارَ أو لم يَقصِدْهُ، كان عن غَضَبٍ أو عن رضًا - وقال له الشَّعْبيُّ والنَّخَعيُّ.
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٤٥ - ٤٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٤٧).