الحجرات: ٩، والفيءُ يكون بما يخالِفُ معنى الإيلاءِ وينقُضُهُ، وهو الجماعُ؛ قال بذلك ابنُ عبَّاسٍ ومسروقٌ وابنُ المسيَّبِ والشَّعْبيُّ وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ.
الرجوعُ بعد الإيلاءِ، وكيف يتحقَّقُ:
ولا خِلافَ عندَ العلماءِ: أنَّ الفيءَ في الآيةِ ينصرِفُ إلى الجماعِ، حكى الإجماعَ غيرُ واحدٍ؛ كابنِ عبدِ البَرِّ (١)، وإنَّما اختلَفوا فيما يقومُ مقامَهُ.
وقد قيَّد بعضُهم ذلك بالقُدْرةِ على الجِمَاعِ وانتفاءِ العُذْرِ، ولكنَّ المحبوسَ والعاجِزَ بمرضٍ يطولُ يكفِيهِ الإشهادُ؛ وبهذا قال جماعةٌ مِن السلفِ؛ كابنِ المسيَّبِ، وهو قولُ أحمدَ وأبي ثَوْرٍ.
قال ابنُ شهابٍ: "حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ المسَيِّبِ: أَنَّهُ إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمَسَّهَا، أَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَحُبِسَ، قَالَ: فَإذَا فَاءَ، وَكَفَّرَ عَن يَمِينِهِ، فَأَشْهَدَ عَلَى فَيْئِهِ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَلَا نَرَاهُ إِلَّا قَدْ صَلَحَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ طَلَاقِهَا شَيْءٌ" (٢).
ومِن السَّلَفِ: مَن جعَلَ الفيءَ بالجماعِ، ويُغنِي عنه التصريحُ باللسانِ ولو لم يجامِعْ لعذرٍ، ولو كان عُذْرُهُ يسيرًا؛ كسَفَرٍ أو مَرَضٍ، أو عدَمِ حاجةٍ، أو لعذرِ المرأةِ بحيضٍ أو نفاسٍ؛ قال بهذا أصحابُ ابنِ مسعودٍ؛ كعَلْقَمةَ والأسودِ وغيرِهِما، وكذلك عِكْرِمةُ والحسَنُ والنَّخَعيُّ وأبو وائلٍ والزُّهْريُّ.
وَرأى بعض السلفِ: الإشهادَ على ذلك؛ حتَّى لا يُؤخَدَ بإيلائِهِ الأوَّلِ، فتَظُنَّ زوجتُهُ ويظنَّ الناسُ أنَّه على يمينِهِ، فتطلَّقَ منه، قال
(١) "الاستذكار" (١٧/ ١٠١).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٥٧).