الحجازِ؛ قال أبو بكرِ بنُ عبدِ الرحمنِ: "ما أَدْرَكْنا أحَدًا مِنْ فُقَهَائِنا إلَّا يَقُولُ بقولِ عائِشَةَ في أنَّ الأقراءَ هي الأطهارُ" (١).
وقد استَدَلَّ بعضُ مَن قال بأنَّ القُرُوءَ الأطهارُ بما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له عندَما طَلَّقَ أمرأتَهُ وهي حائضٌ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ التي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ) (٢).
حيثُ أحالَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الطُّهْرِ، فإذا كان الطُّهْرُ مَحَلَّ الطلاقِ، فهو محلُّ العِدَّةِ.
ثمَّ إنَّ اللهَ جمَعَ، فقالَ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، وهو جمعٌ للقَرْءِ لا القُرْءِ، فالأولُ الطُّهْرُ، والثاني الحَيْضُ.
واللهُ ذكَرَ العددَ مؤنَّثًا؛ وهذا يَدُلُّ أنَّ المرادَ بالقروءِ: الأطهارُ؛ فالطُّهْرُ مذكَّرٌ، والحَيْضُ مؤنَّثٌ.
وقال غيرُ واحدٍ: إنَّ القَرْءَ بفتحِ القافِ وضَمِّها: سواءٌ.
وأمَّا القولُ الثاني: وهو القولُ بأنَّ الأَقْراءَ الحِيَضُ، فاستَدَلَّ مَن قال به: بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ في سَبْيِ أَوْطَاسٍ أنْ يُسْتَبْرَأْنَ قبلَ أن يُوطَأْنَ بِحَيْضةٍ؛ كما أخرَجَهُ أحمدُ؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ (٣).
ثمَّ إنَّ الطُّهْرَ أصلٌ لا حَدَّ له، والحَيْضُ هو العارضُ المحدودُ، والضَّبْطُ به أدقُّ، والقرءُ ضبطٌ لِزَمَنٍ، والأزمانُ الضيِّقةُ المحدودةُ أزمانُ الحَيْضِ، لا أزمانُ الطُّهْرِ الذي هو الأصلُ المُتَّسِعُ، فأكثَرُ عُمْرِ المرأةِ طاهِرًا لا حائِضًا.
(١) "تفسير القرطبي" (٤/ ٤١).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٥١) (٧/ ٤١)، ومسلم (١٤٧١) (٢/ ١٠٩٣).
(٣) أخرجه أحمد (١١٢٢٨) (٣/ ٢٨).