وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ، وهو قولُ الشافعيِّ في القديمِ.
والثاني: تنتظِرُ حتَّى الإياسِ، ثمَّ تعتَدُّ بالشهورِ؛ وهذا القولُ لأبي حنيفةَ والشافعيِّ، ورُوِيَ عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ.
والأرجَحُ الأوَّلُ، والقولُ الثاني فيه ضَرَرٌ، ولا نصَّ يعضُدُهُ إلَّا التعليلَ أنَّ المرأةَ إمَّا أن تكونَ حائضًا، أو آيسًا، أو حاملًا، أو صغيرةً لا تحيضُ، وانتظارُها للإياسِ لا حَدَّ له، وفيه ضررٌ عليها.
وقولُ عُمَرَ أقربُ، وسُنَّتُهُ أَوْلى بالأخذِ والقبول.
وبيانُ الحملِ لا يطولُ، والنُّطْفةُ إذا لم تتكوَّنْ وتتخلَّقْ، ماتَتْ وسقَطَتْ لا يحفَظُها الرَّحِمُ، وأهلُ الطِّبِّ يَقطَعونَ بمِثْلِ هذا اليومَ، والاستئناسُ بقولِ الثِّقَةِ منهم أَوْلَى مِن تَربُّصِ المرأةِ إلى الإياسِ بلا حدٍّ.
ومَن طلَّقَ زوجتَهُ في حالِ الحَيْضِ، فلا تَعتَدُّ بتلك الحَيْضةِ عندَ مَن أمضَى طلاقَهُ، وحُكِيَ الاتِّفاقُ على ذلك، وأمَّا مَن لم يُمْضِ الطلاقَ، فهو لا يُمضِي العِدَّةَ تبَعًا.
احتسابُ طهر المطَلَّقَةِ:
وأمَّا مَن طلَّقَها في حالِ طُهْرٍ لم يَمَسَّها فيه، فإنَّها تَعْتَدُّ عندَ جمهورِ الفقهاءِ بذلك الطُّهْرِ، ولو بَقِيَ منه ساعةٌ.
وبعضُ الفقهاءِ لا يَرَى للمطلَّقةِ في طُهْرٍ أن تعتدَّ ببقيَّةِ طُهْرِها هذا، بل تحسُبُ غيرَهُ، وقال الزُّهْريُّ في امرأةٍ طُلِّقَتْ في بعضِ طُهْرِها: "إنَّها تعتدُّ بثلاثةِ أطهارٍ سوى بقيَّةِ ذلك الطُّهْرِ".
ولم يوافِقْهُ ممَّن يقولُ بأنَّ الأقراءَ الأطهارُ على قولِه هذا أحدٌ؛ كما قالَهُ ابنُ عبدِ البرِّ (١).
(١) "التمهيد" (١٥/ ٩٣).