وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا؟ ! لَا وَاللهِ، لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}، فَقُلْتُ: الآنَ أَفعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ (١).
النكاحُ بلا وليٍّ:
وفي الآيةِ: دليلٌ علي أنْ لا نِكَاحَ إلَّا بوليٍّ؛ وذلك أنَّ اللهَ وَجَّهَ الخطابَ بالنهيِ عنِ الإضرارِ والعضْلِ للأولياءِ، وفي الآيةِ السابقةِ وَجَّهَ الخطابَ للأزوَاجِ، ولا يَنهَى اللهُ عنِ العضلِ والإضرارِ إلَّا ولهم عَلَيْهِنَّ عِصْمةٌ وقِوَامةٌ وأمرٌ، وقد أخرَجَ البخاريُّ حديثَ مَعْقِلٍ هذا في بابِ: (لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ).
وقد تقدَّم وضوحُ الدليلِ في ذلك عند قولِ اللهِ تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} البقرة: ٢٢١.
وبآيةِ البابِ استدَلَّ الشافعيُّ وغيرُهُ: على أنْ لَا نكاحَ إلَّا بوليٍّ، بل قال الشافعيُّ: "وهذا أَبْيَنُ ما في القرآنِ مِن أنَّ للوَليِّ مع المرأةِ في نفسِها حقًّا" (٢).
وبنحوِ هذا قال ابنُ جريرٍ.
ولا يُعرَفُ في الصدرِ الأوَّلِ: أنَّ امرأةً زَوَّجَتْ نَفْسَها لرجلٍ غيرِ نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذا قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} الأحزاب: ٥٠، روى سعيدٌ، عن قَتَادةَ، قال: "لَيْسَ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ بغَيْرِ أَمْرِ وَليٍّ وَلَا مَهْرٍ، إِلَّا لِلنَّبيِّ؛ كانت لَهُ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ" (٣).
(١) أخرجه البخاري (٥١٣٠) (٧/ ١٦).
(٢) "الأم" للشافعي (٥/ ١٣).
(٣) "نفسير الطبري" (١٩/ ١٣٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣١٤٤).