التشديدُ في تزويج اليتيمة:
ويشدَّدُ في اليتيمةِ كنَحوِ البِكْرِ؛ لِمَا روى الترمذيُّ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا: (اليَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ صَمَتَتْ، فَهُوَ إِذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ، فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا) (١).
وفي حديثِ بنتِ عُثْمانَ بنِ مَظْعونٍ لمَّا ماتَ عنها، قال - صلى الله عليه وسلم -: (هِيَ يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بإذْنِهَا) (٢).
وتختلِفُ البِكْرُ اليتيمةُ عن البِكرِ مِن غيرِها في هذا؛ لأنَّ اليتيمةَ يُخشى مِن رَغْبةِ وليِّها الخلاصَ منها ومِن مُؤْنَتِها، بخلافِ البنتِ مِن صُلْبِه، فيَرِقُّ قلبُهُ ويَعطِفُ عليها ويخافُ، ولأنَّ ذَهابَها مِن ولايتِهِ بعدَما استقَرَّتْ ذَهَاب يعقُبُهُ انفصالُ ولايةِ الوليِّ عنها، فإذا أرادَتْ أن تَرجِعَ بعدَ طلاقٍ، فاستقرارُ ولايةِ وليِّها السابقِ يختلِفُ عن استقرارِ ولايةِ الوليِّ لابنتِهِ؛ فهي تَرجِعُ إلى حَجْرِ أبيها بلا شرطٍ أو قيدٍ أو تجديدِ ولايةٍ، وليس له الحقُّ أن تختارَ إلَّا إيَّاه، وأمَّا اليتيمةُ، فربَّما تَرجعُ إليه أو إلى وليٍّ آخَرَ، فيَحمِلُها ذلك على الصبرِ على الأذى والضُّرِّ مِن الزوجِ؛ حتَّى لا تعودَ إلى ولايةٍ غيرِ ثابتةٍ.
ثمَّ إنَّ في ذلك تطييبًا لنفسِها، ودفعًا لظنِّ السَّوءِ في وليِّها؛ أن يريدَ تزويجَها خلاصًا منها، أو طمعًا في مَهْرِها.
الحكمةُ مِن زواجِ النبي من المرأةِ بلا وليٍّ:
وإنَّما أجازَ اللهُ لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - زواجَهُ مِن المرأةِ بغيرِ وليِّها؛ لأنَّ الأصلَ في حقِّ الولِيِّ وحقِّ المرأةِ ثيِّبًا أو بِكْرًا في الزوجِ: دفعُ المفسَدةِ في الأعراضِ والتُّهَمةِ في النكاحِ، وحفظُ حقِّ المرأةِ ألَّا تُظلَمَ بزوجٍ لا تريدُهُ؛ لسوءِ خُلُقٍ أو اختلافِ نَفْسٍ وطبيعةٍ، ولا أكمَلَ في رجالِ الأُممِ
(١) أخرجه الترمذي (١١٠٩) (٣/ ٤٠٩).
(٢) أخرجه أحمد (٦١٣٦) (٢/ ١٣٠).