والرَّجْعةِ، ذكَرَ أحكامَ الرَّضَاعِ؛ لأنَّ تلك الأحكامَ أهمُّ وأعسَرُ، وأحكامَ الرضاعِ أيسَرُ، ولأنَّ الرضاعَ لا يقَعُ فيه غالبًا نزاعٌ وخلافٌ؛ لتشوُّفِ الأبوَيْنِ لمصلَحَةِ ولدِهِما؛ بخلافِ ما كان بينَهما؛ فهما نِدَّانِ يتنازَعانِ في حَقِّهِما، ويتوافقانِ في حقِّ الولدِ غالبًا.
وقد ذكَرَ اللهُ الرضاعَ هنا، وفي سورةِ الطلاقِ، وما في الطلاقِ خاصٌّ بالمطلَّقاتِ، وهذه الآيةُ أعَمُّ منها.
حكمُ الرَّضَاعِ:
وفي الآيةِ: أنَّ الرَّضاعَ علي الزوْجةِ؛ بقولِه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}؛ فمَن ولَدَتْ، أرضَعَتْ، وقد اختلَفَ العلماءُ في وجوبِ الرضاعِ عليها على أقوالٍ:
الأوَّلُ: الوجوبُ؛ وهو قولٌ لمالكٍ, وقولُ أبي ثَوْرٍ.
الثاني: أنَّ الرضاعَ على الاختيارِ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ في الطلاقِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ٦ , وحمَلُوا آيةَ البقرةِ على أنَّها مبيِّنةٌ لمدَّةِ الرضاعِ لا لحُكْمِه؛ وهذا قولُ الشافعيِّ والحنابلةِ.
الثالثُ: يفرِّقونَ بين الشريفةِ والدَّنِيَّةِ، فلا يُوجِبونَهُ على الشريفةِ، ويُوجِبونَهُ على مَن دُونَها؛ وهذا قولُ مالكٍ المشهورُ عنه، وهو مذهبُ المالكيِّينَ؛ لأنَّ العِبْرةَ بالعُرْفِ؛ فالرفيعةُ تسترضِعُ لابنِها، ومَن دُونَها تُرضِعُ بنفسِها.
وأمَّا إِذا لم يَقبَلْ مُرضِعةً إلَّا إيَّاها، فيَجِبُ، ولا ينبغي أنْ يكونَ ثمَّةَ خلافٌ؛ لأنَّ تَرْكَهُ هَلَكةٌ، ولو لم يَقبَلْ إلَّا امرأةً أجنبيَّةً عنه، لَتَعَيَّنَ عليها، وقد نَصَّ على وجوبِه على أُمِّه إذا لم يَقبَلْ إلَّا إيَّاها: القاضي عبدُ الوهَّابِ.
تمامُ الرَّضَاع ومُدَّتُهُ:
وفي قولِهِ تعالى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} تمامٌ لِمُدَّةِ