وفاتِهم؛ لا يخرُجْنَ ولا يَعْمَلْنَ، ويُنفَقُ عليهِنَّ مِن مالِ أزواجِهِنَّ، وقد ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: (إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كانت إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ) (١).
وقيلَ: إنَّ المرأةَ إذا خرَجَتْ مِن عِدَّةِ وفاةِ زوجِها، أخذَتْ بَعْرةً فرمَتْ بها كَلْبًا؛ لِتخرُجَ مِن عِدَّتِها.
وفي ذلك: أنَّه ينبغي تذكيرُ الرجالِ والنساءِ بما كان عليهم مِن شِدَّةٍ وقسوةٍ؛ ليتذكَّروا رحمةَ اللهِ بهِم؛ فإنَّ تذكُّرَ الأشَدِّ يخفِّفُ الشديدَ، وتذكُّرَ الأثقلِ يخفِّفُ الثقيلَ.
وتربُّصُ المتوفَّى عنها زرجُها الحائضِ مِمَّا لا خلافَ فيه. وعدَّةُ الوفاةِ خاصَّةٌ بالزوجةِ لا بالزوجِ؛ لِقِوَامَتِه، ولِمَا فَضَّلَهُ اللهُ به، فلَهُ القِوَامةُ، وعليه النَّفَقةُ؛ مِن رزقٍ وكِسْوةٍ وسُكْنَى، وعِدَّتُهُ وحِدَادُهُ وعدَمُ خروجِهِ يعطِّلُ ما عليه مِن تكاليفَ، ثمَّ إنَّ اللهَ أباح له تعدُّدَ الزَّوْجاتِ، ولو تُوُفِّيَتْ زوجاتُهُ تباعًا؛ كلُّ واحدةٍ في آخِرِ عدَّةِ الأُخرى، لطالَ حَبْسُهُ عن قِوَامَتِهِ ونَفَقتِه، ولو اعتَدَّ في واحدةٍ، لَتَعطَّلَ عن واجباتِهِ للزوجةِ الأُخرى؛ وهذا يدلُّ على أن اللهَ قد أحكمَ شِرْعَتَهُ ودِينَه؛ فكلُّ حُكْمٍ في جهةٍ يَنضبِطُ مع الجهاتِ الأُخرى.
والآيةُ شاملةٌ للكبيرةِ والصغيرةِ، الحائضِ وغيرِ الحائضِ، والمسلِمةِ والكافِرةِ، والمدخولِ بها وغيرِ المدخولِ بها؛ وبعمومِها أخَذَ جماهيرُ العلماءِ.
ولمالِكٍ قولٌ فيمَنِ انقَطَعَ دَمُها لعارضٍ؛ مِن مرَضٍ أو دواءٍ ونحوِه؛ أنَّها تنتظِرُ الحَيْضَ بعدَ العِدَّةِ الأربعةِ الأشهُرِ والعَشْرِ؛ وذلك لارتيابِها وليُستَبْرَأَ رَحِمُها بيقينٍ.
(١) أخرجه البخاري (٥٣٣٦) (٧/ ٥٩)، ومسلم (١٤٨٨) (٢/ ١١٢٤).