وأمَّا تأنيثُ المعدودِ المضمَرِ وتذكيرُ العددِ في قولِه: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، فلم يَقُلْ: "وعَشَرةً"، والعَدَدُ يُخالِفُ المعدودَ هُنا.
فلا يَظهَرُ أنَّ فيه حُجَّةً؛ لأنَّ العرَبَ تغلِّبُ التأنيثَ في العَدَدِ؛ في الأيامِ والليالي خاصةً، إذا أبهَمَتِ العددَ، غَلَّبَتْ فيه اللياليَ؛ حتى إنَّهم ليقولونَ: "صُمْنا عشرًا مِن شهرِ رمضانَ"؛ لتغليبِهِمُ اللياليَ على الأيامِ؛ كما في قولِهِ تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} مريم: ١٠، فقد أرادَ الأيَّامَ والليالي جميعًا؛ ولذا بَيَّنَهُ في قولِه: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} آل عمران: ٤١.
وعلَّل بعضُ السلفِ زيادةَ العَشْرِ بعدَ الأربعةِ الأشهُرِ؛ لأجلِ اتضاحِ الحملِ، وبيانِ نفخِ رُوحِهِ؛ فإنَّه يُنفَخُ في العَشْرِ، رُوِيَ عن قتادةَ، قال: "سَأَلْتُ سَعِيدَ بنَ المسيَّبِ: مَا بَالُ الْعَشَرِ؟ قَالَ: فِيهِ يُنْفَخُ الرُّوحُ" (١).
عدةُ الأَمَةِ المتوفَّى عنها زوجُها:
وأمَّا المرأةُ الأَمَةُ إذا توفِّيَ عنها زوجُها، فعلى النِّصْفِ مِن عِدَّةِ الحُرَّةِ؛ تتربَّصُ شهرَيْنِ وخمسةَ أيَّامٍ؛ وهذا قولُ عامَّةِ السلفِ والخلفِ.
وللشافعيِّ قولٌ يَحْكِيهِ بعضُ أصحابِهِ: أنَّها تعتَدُّ كالحُرَّةِ، وبه يقولُ أهلُ الظاهرِ؛ وهو مرويٌّ عنِ ابنِ سيرينَ والأصَمِّ.
والأَمَةُ الموطوءةُ بمِلْكِ اليمينِ بلا ولَدٍ: لا تعتَدُّ بوفاةِ زوجِها؛ لأنَّ الآيةَ نزَلَتْ في الأزواجِ، لا في الإماءِ، وقد حكى عدَمَ خلافِ السلفِ في ذلك غيرُ واحدٍ؛ كابنِ عبدِ البَرِّ وغيرِه (٢).
عدةُ الأَمَةِ ذات الولدِ:
وأمَّا ذاتُ الولَدِ، فقدِ اختُلِفَ فيها على أقوالٍ:
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٥٨).
(٢) "الاستذكار" (١٨/ ١٩٢).