الذي بيده عُقْدةُ النكاحِ:
وقولُهُ تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}:
اختلَفَ العلماءُ في المرادِ بمَنْ بِيَدِهِ عُقْدةُ النكاحِ، على قولَيْنِ:
قالت طائفةٌ: إنَّ المرادَ به الزوجُ؛ وهو قولُ عليٍّ، وهو قولٌ لابنِ عبَّاسٍ وشُرَيْحٍ، وقولُ ابنِ المسيَّبِ ومجاهِدٍ والشَّعْبيِّ وغيرِهم، وأخَذَ به أبو حنيفةَ والشافعيُّ.
وقالت طائفةٌ أخرى: إنَّ المرادَ به وليُّ أمرِ الزوجةِ؛ قال به علقمةُ وعطاءٌ وطاوُسٌ والنَّخَعيُّ، وأخذَ به مالكٌ والشافعيُّ في القديمِ.
روى عمرُو بنُ دينارٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما -؛ في الذي ذكَرَ اللهُ بيدِهِ عُقْدةَ النكاحِ؛ قال: "ذلك أبوها أو أخوها، أو مَنْ لا تُنكَحُ إلَّا بإذنِه" (١).
وكان شُرَيْحٌ يقولُ بهذا القولِ، وقد أنكَرَ عليه الشَّعْبيُّ، فتَرَكَهُ إلى أنَّه الزوجُ، فتمسَّكَ به، فكان يُباهِلُ به.
وإنَّما اختلَفَتْ أقوالُ السلفِ في هذا؛ لأنَّ الذي بيدِهِ عُقْدةُ النكاحِ هو الوليُّ والزوجُ؛ فالأوَّلُ يُعطِي الإيجابَ، والثاني يُعطي القبولَ، ولا يَتِمُّ العقدُ إلَّا بهما، ولا ينفرِدُ واحدٌ منهما به، هذا مِن جهةِ ابتداءِ العقدِ، ولكن مِن جهةِ نهايتِهِ وانصرامِهِ وهَدْمِه، فهو بِيَدِ الزوجِ وَحْدَه، ليس بِيَدِ الوليِّ منه شيءٌ، والآيةُ ذكَرَتْ مَنْ بيَدِهِ عُقْدةُ النكاحِ بعدَ العقدِ، لا قَبْلَه.
ويُشكِلُ على الوليِّ: أنَّ المهرَ حَقٌّ للزَّوْجةِ، فلا يَحِقُّ للوليِّ أن يُسقِطَ حقَّ مَن تولَّى لِيَهَبَهُ لغيرِها، فهو لا يجوزُ له أخذُهُ لنفسِه، فضلًا أن يأخُذَهُ لغيرِه.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٤٥).