اشتراطُ العلمِ للوالي بما يلي:
وإنَّما يُشترَطُ لكلِّ والٍ عِلْمُهُ بأحكامِ ولايتِهِ، لا مطلَقُ العِلْمِ أو العِلْمُ المطلَقُ؛ فوِلَايةُ أميرِ الجَيْشِ في غزوٍ غيرُ ولايةِ أميرِ الناسِ في الحجِّ؛ فالأولُ: يجبُ أن يكونَ بصيرًا بعِلْمِ الجهادِ، والثاني: يجبُ أنْ يكونَ بصيرًا بعِلْمِ المناسكِ، وأميرُ القضاءِ: يجبُ فيه عِلْمُ العقوباتِ حدودًا وتعزيزاتٍ، وفقهُ النكاحِ والطلاقِ والعِدَدِ والمواريثِ، وكلِّ ما يتعلَّقُ بفصلِ النِّزاعِ؛ كالبيوعِ، والتجارةِ، وغيرِها، ولا يجبُ عليه الفِقْهُ بمسائلِ ودقائقِ العباداتِ كالطَّهارةِ والصِّيامِ والصَّلاةِ والمناسكِ، إلا ما يُقِيمُ به دِيَنَهُ منها؛ لأنَّ هذا واجبٌ على المُفْتِي لا على القاضي.
وكلَّما تلبَّسَ الإنسانُ بعملٍ، وجَبَ عليه التفقُّهُ فيه؛ ولذا قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: "لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ"؛ رواهُ الترمذيُّ (١)، فيتفقَّهُ في البيعِ ولو لم يَفْقَهْ تفاصيلَ الصلاةِ والصيامِ والحَجِّ، ويكتفي بما يُقِيمُ دِينَهُ منها.
وإذا وُجِدَ اثنانِ لولايةِ الجهادِ: قويُّ الجَسَدِ شجاعٌ ضعيفُ الإيمانِ، وقَوِيُّ الإيمانِ ضعيفُ الجَسَدِ جَبَانٌ، فيُقدَّمُ الأولُ؛ لأنَّ الوِلَايةَ ولايةُ جهادٍ، فتحتاجُ قُوَّةَ القلبِ والبدنِ مع أصلِ الإيمانِ؛ وبذلك يتحقَّقُ المقصدُ الشرعيُّ مِن تلك الولايةِ؛ وبهذا يقولُ أحمدُ وغيرُه، وهذا هو المقصودُ مِن بَسْطةِ الجِسمِ في الآيةِ.
وإنَّما لم يلحَقِ النبيُّ بالمَلَإِ مِن بني إسرائيلَ، فيُجاهِدَ معهم، مع كونِهِم يَدْفَعُونَ عن بَلَدِهم وأَنفُسِهم، فيكونَ أميرًا عليهِم؛ لأمورٍ:
منها: أنَّ الكفايةَ تتحقَّقُ بهم، وهم ثَغْرٌ واحدٌ مِن عِدَّةِ تكاليفَ على النبيِّ؛ مِن تبليغِ الدِّينِ، وحمايةِ البلدِ الذي هو فيه، ولأنَّ النبيَّ يتعلَّقُ به
(١) أخرجه الترمذي (٤٨٧) (٢/ ٣٥٧).