فنزَلَتْ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، فقالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (قَدْ خُيِّرَ أَصْحَابُكُمْ؛ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ، وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ مَعَهُمْ) (١).
حكمُ الإكراهِ على الإسلامِ:
وهذا في أهلِ الكتابِ ألَّا يُكْرَهوا على الدخولِ في الإسلامِ ابتداءً، فإنْ قَبِلُوهُ؛ فلهم ما عَلى أهلِ الإسلامِ، وعليهم ما عليهم، وإنْ أَبَوْا فيُنزِلُونَهُمْ على الجِزْيةِ، وإنْ أَبَوْها، فإمَّا سِلْمٌ معهم عندَ عَجْزِ المسلِمينَ وضَعْفِهم، أو قِتَالُهم حتَّى يَنزِلُوا على أحدِ الأمرَيْنِ؛ إسلامٍ أو جِزْيةٍ، بخلافِ المشرِكِينَ والمَلاحِدةِ اللادينيِّينَ؛ فلا يُقبَلُ مِنهُم إلا إسلامٌ عندَ القُدْرةِ عليهم، أو مسالَمةٌ عندَ العجزِ والخوفِ، أو تركُهُم تربُّصًا بهم إلى حينِ قُوَّةٍ.
حكمُ الرِّدَّةِ وحريَّةِ الدين:
وليس في الآيةِ جوازُ الخروجِ مِن الإسلامِ بعدَ دخولِه؛ فتلك رِدَّةٌ غيرُ مقصودةٍ في الآيةِ؛ لآياتِ السَّيْفِ الكثيرةِ، ولحديثِ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. . .) (٢)، ولحديثِ ابنِ عباسٍ: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ) (٣)، وغيرِ ذلك.
وعملُ الخلفاءِ مِن بعدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإجماعُهُمْ: على قَتْلِ المرتَدِّ؛ كفعلِ أبي بكرٍ ومَن معَهُ، ثم عُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ، وفُتيا الصحابةِ وفِعْلُهم؛ كابنِ مسعودٍ، وأبي موسى، وابنِ عمرَ، وغيرِهم، والخلفاءُ مِن بَعدِهم تَبِعُوهم في ذلك مِن أُمَراءِ وخُلَفاءِ بني أميَّةَ وبني العبَّاسِ.
ولكنَّ الخلافَ عندَ السلفِ في المنافِقِ الذي يُفلِتُ لسانُهُ بقولِ
(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١٨٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٥) (١/ ١٤)، ومسلم (٢٢) (١/ ٥٣).
(٣) أخرجه البخاري (٣٠١٧) (٤/ ٦١).