ونقَلَ غيرُ واحدٍ إجماعَ الصحابةِ على ذلك؛ حكاهُ ابنُ تيميَّةَ؛ وهو كذلك (١).
وحكى الكاسانيُّ - مِن الحنفيَّةِ - العملَ عليها جيلًا بعدَ جيلٍ، وأنَّ ذلك أَمَارَةٌ على وجوبِها (٢).
ويُنقَلُ في كلامِ فقهاءِ الحنفيَّةِ: أنَّ الجماعةَ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ؛ ومُرادُهم بذلك الوجوبُ؛ ويفهمُهُ بعضُ الفقهاءِ على أنَّ المرادَ بذلك: ما يُخالِفُ التأكيدَ بالوجوبِ؛ وفي هذا نظرٌ؛ قال علاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ في "تُحْفةِ الفقهاءِ": "إنَّ الجماعةَ واجبةٌ، وقد سمَّاها بعضُ أصحابِنا: سُنَّةً مؤكَّدةً؛ وكلاهُما واحدٌ" (٣).
وبنحوِه قال الكاسانيُّ وغيرُه (٤).
والشافعيُّ ينصُّ على الوجوبِ في كتابِه "الأمِّ"؛ قال: "فلا أرخِّصُ لِمَن قَدَرَ على صلاةِ الجماعةِ في تركِ إتيانِها، إلا مِن عذرٍ" (٥).
وقال النوويُّ: "وهذا قولُ اثنَيْنِ مِن كبارِ أصحابِنا المتمكِّنِينَ في الفقهِ والحديثِ؛ وهما: أبو بكرِ بنُ خُزَيْمةَ، وابنُ المُنْذِرِ. . .". (٦).
وجماهيرُ أصحابِ أحمدَ على الوجوبِ، وهو المشهورُ عنه، وعنه روايةٌ أُخرى بالسُّنِّيَّةِ (٧)؛ وفيها نظرٌ.
ويظهَرُ لي: أنَّه يرَى سُنِّيَّةَ الجماعةِ في المسجدِ إذا لم تعطَّلْ، فتعطيلُها فيها حرامٌ، وأصلُ الجماعةِ واجبٌ عندَهُ؛ إذا لم تتحقَّقْ في البيتِ، ففي المسجدِ.
(١) ينظر: "الفتاوى الكبرى" (٢/ ٢٧٠).
(٢) ينظر: "بدائع الصنائع" (١/ ١٥٥).
(٣) "تحفة الفقهاء" (١/ ٢٢٧).
(٤) ينظر: "بدائع الصنائع" (١/ ١٥٥).
(٥) "الأم" للشافعي (١/ ١٨٠).
(٦) "المجموع" (٤/ ١٨٤).
(٧) ينظر: "المغني" (٢/ ١٣٠)، و"الكافي" (١/ ٢٨٧)، و"الإنصاف" (٢/ ٢١٠).