ورُوِيَ عن أحمدَ فيمَنْ باع دارَهُ بعَشَرةِ آلافِ دِرْهَمٍ إلى سنةٍ؛ فإنَّه يُزَكِّيهِ إذا قبَضَهُ (١)، وهذا منهُ؛ لأنَّ المالَ حَقَّ له مِن أوَّلِ الحولِ، ولكنَّه أُجِّلَ كالدَّيْنِ في الذِّمَّةِ فيُزَكِّيهِ إذا قبَضَهُ، وقد رواهُ غيرُ واحدٍ عن أحمدَ بهذا المعنى.
الثالثةُ: أنْ يَكتسِبَ مالًا مِن جنسِ مالِهِ الذي قام في مُلْكِه، وقامَ نصابُهُ، وبدَأَ حولُهُ، ولكنَّ المالَ المكتسَبَ ليس فرعًا لمالِهِ الأصلِ، ولا نماءً له؛ فَلَيْسَ رِبْحًا مِن تجارتِهِ، ولا نماءً لماشيتِهِ؛ وإنَّما كسَبَهُ يصفةٍ أُخرى كالهِبَةِ أو اللُّقَطةِ أو الشِّرَاءِ مِن غيرِ مالِهِ الأصليِّ، كأنْ يكونَ لدَيْهِ ماشيةٌ أو نَقْدٌ أو عقارٌ، فيُهْدَى له عقارٌ أو نقدٌ أو ماشيةٌ؛ فقد اختلَفَ العلماءُ في هذه الحالِ:
ذهَبَ طائفةٌ: إلى أنَّه يَتْبَعُ أصلَ المالِ ما دامَ مِن جِنسِهِ مطلَقًا؛ وهذا قولُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ.
وقال آخَرُونَ: بأنَّ حَوْلَهُ مستقِلٌ ما دام ليس فرعًا ولا نماءً للأوَّلِ، ولو كان مِن جِنْسِهِ؛ أخذًا بظاهرِ النصوصِ؛ كما في الحديثِ: (مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا. . .) (٢)، والمالُ المستفادُ هو ما كان له أصلٌ، والحديثِ الآخَرِ: (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ).
وعمومُ الحديثَيْنِ محتمِلٌ لكِلا القولَيْنِ يتأوَّلُهما كلٌّ عَلَى وجهِه، والأحوَطُ جعلُ المالِ المستفادِ تَبَعًا للمالِ الأصلِ إذا كان مِن جِنسِهِ بكلِّ حالٍ، كان فرعًا له أو لم يَكُنْ.
وتجبُ - أيِ: الزكاةُ - فيما زاد على النصابِ بالحسابِ، إلا في السائمةِ؛ فلها حسابٌ منصوصٌ، لا يصحُّ فيه القياسُ.
(١) ينظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ٤٦٨).
(٢) أخرجه الترمذي (٦٣١) (٣/ ١٦).