لِيَقْرُبَ، وقال: (إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ فِي النَّارِ) (١).
أفضلُ الصدقاتِ:
وأعظمُ الصدقاتِ ما كانت على أشدِّ المسلِمِينَ حاجةً؛ فالنفقةُ على الفقيرِ أعظَمُ أجرًا مِن النفقةِ على المِسْكِينِ، ومَن جمَعَ فقرًا وغُرْمَا وسبيلًا وجهادًا، أعظَمُ ممَّن جمَعَ بعضَها.
والصدقةُ على الفقيرِ الصالِحِ أَوْلَى مِنَ الفقيرِ الفاسقِ إذا اسْتَوَيَا في الحاجةِ، إلا عندَ غلبةِ الظنِّ بأنَّ الصدقةَ على الفاسقِ تقرِّبُهُ وتؤلِّفُهُ.
إسرارُ الصدقةِ وإعلانُها:
وفي الآيةِ: فَضْلُ الإسرارِ بالصَّدَقةِ على الإعلانِ بها، ومِن العلماءِ مَنْ حمَلَ الآيةَ على زكاةِ الفَرْضِ؛ وهو قولُ ابنِ عباسٍ، وأبي جعفرٍ.
روى ابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتِمٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال في الآيةِ: "جعَلَ اللهُ صَدَقةَ السِّرِّ في التطوُّعِ تفضُلُ عَلَانِيَتَها بسبعينَ ضِعْفًا، وجعَلَ صَدَقَةَ الفريضةِ عَلَانِيَتَها أفضَلَ مِن سِرِّها، يقالُ بخمسةٍ وعِشْرِينَ ضِعْفًا، وكذلك جميعُ الفرائضِ والنوافلِ في الأشياءِ كلِّها" (٢).
ومنهُم: مَن خصَّها بصَدَقةِ النَّفْلِ؛ وهو قولُ سُفْيانَ؛ لأنَّ زكاةَ الفَرْضِ لا يظهَرُ فيها كمالُ الإحسانِ والمِنَّةِ كصَدَقةِ النَّفْلِ، فالفرضُ تكليفٌ يُسقِطُهُ الإنسانُ عن نفسِهِ ومالِهِ، والرياءُ في النفلِ أقوى مِن الفَرْضِ، خاصَّةً عنْدَ مَن يؤدِّي الفرضَ والنفلَ، وأمَّا مَن لا يَعتادُ أن يؤدِّيَ في مالِه إلا زكاةً واجِبةً، فقد يدخُلُ عليه الرياءُ في فرضِهِ؛ كما يدخُلُ الرياءُ على صاحِبِ النفلِ.
(١) أخرجه البخاري (٢٧) (١/ ١٤)، ومسلم (١٥٠) (١/ ١٣٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ١٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٣٦).